الشره العصبي Bulimia

ولاء السيد

يأتي مصطلح الشره العصبي (البوليميا) Bulimia  من كلمة يونانية هي Bous Limos وهي تعنى جوع الثور وهو أسم مغلوط لأن الجوع الحقيقي غير مرتبط بالمرض. والشره العصبي يعد اضطراباً مختلفاً عن فقدان الشهية العصبي وقد يكون أكثر شيوعاً منه، فقد أشارت احدي الدراسات أن الشره يعادل في انتشاره (6) مرات فقدان الشهية بين عينة من طلاب جامعة واشنطن. وفي جامعة كاليفورنيا حينما تم افتتاح عيادة لاضطرابات الأكل لخدمة مرضى فقدان الشهية العصبي تحديداً سرعان ما غير المتخصصين اهتمامهم نحو مرضى الشره العصبي لأن عددهم يعادل (5) مرات مرضى فقدان الشهية العصبي .
ويعرف جابر عبد الحميد و علاء الدين كفافي(1989) الشره العصبي بأنه " اضطراب يتعلق بالأكل يتضمن التناول المتكرر لكميات كبيرة من الطعام والشراب في وقت قصير بما يشبه" نوبة الأكل". ويتبع نوبة الأكل والشراب حالة من المزاج المكتئب وتقليل من قيمة الذات. وفي حالات كثيرة تحدث محاولات لإنقاص الوزن بإتباع نظام غذائي وبالتقيؤ وباستخدام المسهلات. وأحياناً ما تعود حالة من النهم إلي اضطراب غدي. ولكنها تحدث في حالات كثيرة بسبب عوامل أو إحلال الطعام محل الاشباعات الحالية غير المحققة مثل العطف أو الجنس.
إن أغلب النساء ذوات الشره العصبي حتى لا يزداد وزنهن يحاولن إتباع نظام غذائي صارم، ولكنهن مع استمرارهن في هذا النظام فإنهن يشعرن بالحرمان المؤلم والجوع الشديد والدائم، إذْ يظللن في حالة من الجوع حتى بعد الأكل .ولكنهن لا يستطعن مقاومة حالة الجوع التي يعانين منها،ومن ثم يأكلن ،غير أن هذا السلوك يشعرهن بالتعاسة والذنب وعدم القدرة على الضبط . ومن هنا تزداد جهودهن لضبط الطعام أو التخلص منه بالقئ أو ممارسة الرياضة أو استخدام المسهلات أو مدرات البول. إن القئ يخفف تعاستهن ويقلل لديهن مشاعر الذنب إلي حد كبير، وهكذا يصبح لدى هؤلاء النساء الحل المناسب لتجنب الجوع عن طريق تناول الأكل وتقيؤه .
وعندما يتبع هؤلاء النساء نظام غذائي نجدهن يقمن بحساب السعرات الحرارية والتخطيط للوجبات، ولكن عندما يبدأن في الأكل لا يستطعن التحكم في تناولهن للطعام ولا يقمن بحساب السعرات الحرارية، وبدلا من ذلك نجدهن يدرن في حلقة مفرغة مابين الأكل والتخلص منه.
ومن الأسباب التي تعجل بحدوث الشره العصبي والتي من بينها: تكرار إتباع نظام غذائي قبل بدء الشره المرضى وحدوث تقلبات في الوزن ما بين السمنة والنحافة، إذ تسهم فكرة الفتاة عن نفسها بأنها مفرطة في الوزن في نمو متلازمة الشره المرضى. كما أن التعرض للأحداث المثيرة للضغوط النفسية تلعب دوراً في الإصابة بالشره العصبي، حيث يذكر ما نسبته 88% من ذوى الشره العصبي أنهم تعرضوا في بداية إصابتهم للشره لبعض أشكال الفقدان (كفقد أحد الوالدين أو الأصدقاء..) أو الصراعات والانفعالات غير السارة في محيط الأسرة وخارجها. 
ومما تجدر الإشارة إليه- في هذا الصدد - أن هذا الاضطراب يتضمن عناصر معرفية وأخرى سلوكية، أما العناصر المعرفية فتتضمن الانشغال الزائد بوزن الجسم، وحجمه، وشكله، ورغبة الفتاة في أن تكون أكثر نحافة، حيث تضع النماذج الخاصة بالشره العصبي أهمية كبيرة على نسق القيم في المجتمع والذي يجعل من النحافة هدفاً مرغوبا خاصة بالنسبة للإناث. هذا إلى جانب إدراكها أنه لا يمكنها السيطرة على نفسها أثناء نوبات الأكل أو حتى عندما ترى الطعام، في حين تضم العناصر السلوكية نوبات متـكررة من الأكل، والتقيؤ المثار ذاتياً، وزيـادة في الوزن.
إن الشره العصبي يعد عرضاً لفعل قهري أكثر من كونه متعة للطعام. ويعزو عدد كبير من الباحثين أسباب الشره العصبي لعوامل انفعالية ونفسية. حيث يؤكد أصحاب نظرية التحليل النفسي أن هناك أحياناً دوافع لا شعورية تدفع الفرد لتناول كميات ضخمة من الطعام في حالات القلق والاكتئاب ولكن قد تنقلب هذه الحالة إلى العكس فيعاني الفرد من فقدان الشهية العصبي، وهذا في حد ذاته مؤشر على وجود الاضطراب الانفعالي لدي الفرد. بينما تعزو النظرية الإنسانية الشره العصبي إلى تعرض الفرد الزائد للمثيرات ومن ثم فإن الشخص الذي يتعرض لمستويات مرتفعة من التوتر والقلق يتخذ من تناول الطعام وسيلة استرضائية. في حين أن نظرية التعلم الاجتماعي تفسرها على أنه وسيلة لتجنب المخاوف. فالقلق المزمن يعد عامل مؤثر ومعطل لمركز الشبع، حيث تجعل الفرد تحت وطأة الضغط النفسي، فيفقد القدرة علي إدراك الشبع، وبالتالي لا يشعر الفرد عصبياً وفسيولوجياً بحالة الشبع مهما تناول من كميات من الطعام، وبذلك يتناول أكثر مما يحتاجه من الطعام دون أن يشعر ودون أن يدري.
محكات تشخيص الشره العصبي:
الشره العصبي هو زملة تتميز بنوبات متكررة من الإفراط في الأكل وانشغال شديد بالتحكم في وزن الجسم، يؤدى بالمريضة إلي نمط من الإفراط في الأكل يليه قيء أو استخدام الملينات ويشترك هذا الاضطراب في كثير من السمات النفسية مع فقدان الشهية العصبي بما فيها الاهتمام الشديد بشكل ووزن الجسم .
وهناك أساليب مختلفة لتشخيص الزملة الإكلينيكية للشره العصبي أو المتلازمات العيادية التي تسببها.وبرغم تعدد أسماء هذه الزملة مثل:Bulima arexia And The dietary Chaos Syndrome   إلا أن أغلب الباحثين و الإكلينيكيين في أمريكا وانجلترا يفضلون مصطلح استخدام Bulimia Nervosa .
وفي النسخة الرابعة من دليل التشخيص الإحصائي للأمراض النفسية والعقلية الأمريكي DSM IV  (1994) تم تعديل تسمية الشره المرضى إلى الشره العصبي، كما تم تعديل المحكات التي يتم في ضوئها تشخيص اضطراب الشره العصبي وذلك على النحو التالي :
(1)          حدوث نوبات متجددة من الأكل حتى التخمة وتتميز نوبة الأكل بما يلي:
     أ- أن يأكل الفرد خلال فترة زمنية محددة كأن تكون كل ساعتين مثلاً، وتناول كمية كبيرة من الطعام تزيد عما يستهلكه الناس خلال نفس الفترة الزمنية.
    ب- شعور الفرد بفقدان القدرة على ضبط سلوك الإفراط في الأكل، حيث لا يستطيع التوقف عن تناول الطعام، وأنه لا يستطيع التحكم في نوع الطعام الذي يتناوله.
(2)     المحاولات المتكررة لإنقاص الوزن من خلال سلوك تعويضي غير ملائم لإنقاص الوزن وذلك بإتباع نظام غذائي صارم أو حث الذات على القئ أو استخدام المسهلات أو مدرات البول.   
(3)          أن يكون المتوسط الأدنى من نوبات الأكل حتى التخمة والتخلص منه مرتين أسبوعيا لمدة 3 شهور.
(4)          أن يتأثر التقييم الذاتي للفرد بشكل جسمه، ووزنه. 
(5)          لا يحدث هذا الاضطراب خلال نوبات فقدان الشهية العصبي.
ويضيف ميلفيلّ  Melville,J. (1993 :42 -43) - إلى المحكات السابقة- أن أسلوب ذوى الشره العصبي في تناولهم للطعام والتخلص منه يتم علي النحو التالي :
 أولاً:       لا تهتم الفتاة التي تعانى من الشره العصبي بنوعية الطعام الذي تتناوله أو رائحته أو مذاقه، وإنما ينصب اهتمامها على الكمية التي تتناولها من تلك الأطعمة. كما أنها تخشى أنها إذا بدأت في تناول قدر بسيط من الطعام الغنى بالكربوهيدرات فإنها تلتهم المتاح أمامها كله.      
 ثانيا:     تلجأ أيضا الفتاة التي تعانى من الشره العصبي إلى تناول الطعام سراً وبمعزل عن الآخرين، فهي تعطى لمكان تناولها الطعام أهمية كبيرة، حيث أنها تفضل أن تكون بعيدةً عن أعين الآخرين.
 ثالثاً:     إن الفتاة التي تعانى من الشره العصبي قد تدرك فجأة أن التقيؤ هو الوسيلة الناجحة لضبط الوزن دون اللجوء إلى تجويع الذات، والدخول في مواجهات مع الوالدين والآخرين، فهي تأكل بشكل طبيعي لراحة الوالدين، وتبدأ في التقيؤ لراحة نفسها. وقد لا تلجأ الفتاة للتقيؤ: إما لأنها لا تستطيع القيام بذلك أو لأن الظروف المحيطة بها لا تسمح لها. وفي هذه الحالة قد تلجأ إلى المسهلات أو مدرات البول أو القيام بالتمارين الرياضية القوية.
الآثار البدنية للشره العصبي:
إن أغلب المصابين بالشره العصبي يعايشون مرحلة أولية من فقدان الوزن عند بدأ أعراض الشره. وعندما يتقدم المرض يزداد وزن هؤلاء المصابين الأمر الذي يعكس تغير نمطهم في الأكل. فيترتب علي ذلك عدد من الآثار البدنية والتي من بينها: أن الفرد يعانى من الخمول وضعف التركيز، والشكوى من آلام المعدة واتساعها بشكل كبير، بالإضافة إلى حدوث تأكل لطبقة المينا المغلفة للأسنان بسبب القئ المتكرر لما يحمله هذا القئ من أحماض المعدة. كما أنهن يعانين من الرغبة الشديدة في النوم، والشعور بالتعب والإعياء من أقل مجهود، واضطراب الحيض (كأن يحدث الطمث مرتين في الشهر).
كما يشكو هؤلاء المصابين من مضاعفات طبية مثل الصداع وتورم في الوجنتين يرجع إلي تضخم الغدد اللعابية نتيجة القئ المتكرر، كما أن الاستعمال الخاطئ للملينات والمسهلات بكميات كبيرة قد يسبب مخاطر جمة تؤدي إلي أذي القولون، وعدم اتزان نسبة المعادن في الجسم مثل انخفاض نسبة البوتاسيوم والذي يؤدي نقصه إلي عدم انتظام ضربات القلب .
ويضيف نيومان وهالفورسون  Neuman,P.&Halvorson,P.(1993) أن تقيؤ طعام يحتوى على سكريات من الممكن أن يؤدى إلى انخفاض سكر الدم نتيجة زيادة الأنسولين. كما تكمن خطورة الشره العصبي في أن الأشخاص المصابين به يبدو وزنهم طبيعي أو قريب من ذلك ولذا لا يبدو عليهم المرض، وبالتالي فإن عدم التوازن الفسيولوجي الذي يهدد الحياة لا تتم ملاحظته حتى تزداد شدته لدرجة كبيرة.
الآثار النفسية للشره العصبي:
إن الفتيات ذوات الشره العصبي يدركن البيئة المحيطة بهن على أنها محبطة، وتثير لديهن الضغوط النفسية، وأنهن غير قادرات على ضبط المتغيرات من حولهن أو التمكن منها. لذلك فإن نمط أكلهن يعد استجابة للأحداث المحيطة بهم. ولذلك تزداد لديهن نوبات الأكل كلما تعرضن للضغوط النفسية، حيث يستخدمن الطعام كطريقة للهروب من تلك الضغوط، وإذا اجبرن على التوقف عن الأكل والقئ فإنهن يعانين من القلق الاكتئاب والشعور بفقدان الضبط والرغبة في الانسحاب. 
 لقد كشفت نتائج دراسة جونسون وبرندتJonson,C.&Berndt,D.  (1983) أن ذوى الشره العصبي يعانون من سوء التوافق الاجتماعي وضعف العلاقات الاجتماعية . وهذا ما أكد عليه ميتشل وبايل Mitchell,J.& Pyle,R. (1988) من أنهم يعانون من صعوبات في علاقاتهم الاجتماعية مع أسرهم وأصدقائهم والآخرين. كما أنهم يتصفون بالكذب على الآخرين فيما يتعلق بسبب اختفاء الطعام. ويعانى بعضهم من ضعف الأداء في المدرسة أو العمل .

 
شارك على جوجل بلس

.

    اكتب تعليق بحساب بلوجر
    اكتب تعليق بحساب فيسبوك

0 Post a Comment:

إرسال تعليق