الدكتور وليد سرحان
مستشار الطب النفسي
عمان -الاردن
إن المرض والعلاج لم يكنا وليدي هذا القرن ، بل إنه ممتد منذ خلقت البشرية وإن التطور الذي حدث في القرن الأخير بحيث قفزت العلوم الطبية قفزات كبيرة، لا يعني أبداً إغفال المخزون الثقافي الطبي التراثي في هذا المجال، كما لا يعني أبداً أن الطب تحول إلى عضو ومرض وجهاز للفحص ومادة للعلاج، أما النظرة الحديثة الشمولية الإنسانية للمرض والعلاج هي النظرة المتوازنة التي تأخذ بعين الإعتبار كل المسببات للمرض، كما تأخذ أيضاً كل وسائل العلاج الممكنة، ولا يجوز بأي حال من الأحوال رفض علاج معين لكون أسلوب عمله أو طريقة شفاؤه للمرض غير معروفة، فالكثير من العلاجات الطبية الحديثة والقديمة استعملت أساساً بالتجربة والخطأ. وحتى هذه اللحظة لا يعرف كيف تقوم هذه العلاجات بتلبية حاجة الإنسان وشفاء أمراضه.
من المفيد أن نستعرض في البداية العلاقة الشائعة بين جهاز المناعة والجهاز العصبي والحالة النفسية والروحية للفرد، وأن علم المناعة النفسي العصبي (Psychoneuroimmunology) قد أصبح الآن من العلوم الأساسية في فهم الكثير من أمور الطب والعلاج لم تكن مفهومة سابقاً، فإنه من المعروف بأن القشرة الدماغية هي السلطة العليا في الدماغ والجهاز العصبي، وهي تؤثر على الخلايا و الأنوية والمراكز العصبية في الدماغ وتصل تأثيراتها إلى المهاد وما تحت المهاد، وتحت المهاد (Hypothalamus) من الأجزاء المهمة في الدماغ والتي تحتوي على مراكز التحكم في الطعام والنوم والتحكم في الجهاز العصبي اللإرادي ، كما أن لها وظيفة مهمة جداُ وهي تنظيم عمل الغدة النخامية وهي الغدة الأساسية الكبرى المهمة في جهاز الغدد الصماء، وليس من الصعب التخيل بأن كل خلية في جسم الإنسان تتأثر في كل ما هو في بيئته ومحيطه وكل ما يصل إلى أحاسيسه وإدراكه كما تتأثر بكل أشكال وتقلبات حالته النفسية، وهذا يعني على سبيل المثال بأن الضغوط النفسية المختلفة التي تصل إلى التفكير والدماغ بإمكانها أن تؤدي إلى إفراز الكورتيزون ومشتقاته من الغدد الفوق كلوية، وهذا بالتالي يؤدي إلى نقص الأجسام المضادة والخلايا اللمفاوية بالعدد والقوة، والأمثلة على ذلك معروفة فمعظم الطلاب تظهر عليهم بثور على الفم والشفتين أثناء فترة الإمتحان، وكثيراً ما يصل الأمر إلى أشكال من الإضطرابات التي تؤثر مرضياً على الطالب في فترة الإمتحان وما أن ينتهي الإمتحان حتى تزول تلك الآثار ويستعيد الطالب عافيته.
وجهاز المناعة معروف أنه موزع بين الغدد اللمفاوية والطحال والغدد الزعترية ونخاع العظم، وأن هناك شبكة من الأعصاب تصل هذه المراكز وتعمل على تنظيم عملها، ناهيك عن أن الغدة النخامية قادرة على التأثير على الغدد الدرقية والجارات الدرقية والمبيض والخصية والغدة الفوق كلوية والبنكرياس بشكل يؤكد تماماً أن المؤثرات النفسية لها أن تغير وتبدل في كيماويات وعمليات الدفاع والتصدي للمرض أو الرضوخ والخضوع له. وأما الضغوط الخارجية التي تؤثر على الإنسان فمعروف أنها إما تكون مزمنة أو أنها تكون حادة، وبالتالي تؤدي إلى التغيرات المختلفة في الجهاز العصبي ثم باقي أجهزة الجسم، وهذا لا ينفي أبداً الدور المهم للتركيب الوراثي للشخص الذي يجعله يختلف عن غيره من الناس، فإن تجاوب الأفراد مع الضغوط الخارجية مختلف كما أن تجاوب الجسم مع الأمراض المختلفة متباين، فالضغوط النفسية عموماً وعلى كافة الأفراد تضعف من جهاز المناعة وهناك أمراض تسمى نفسجسدية (Psychosomatic)، وهي أمراض عضوية تتأثر بالحالة النفسية للفرد مثل الربو والسكري وإضطرابات الجهاز الهضمي وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب و الإلتهابات الفيروسية والعديد من الأمراض الجلدية، وهناك الكثير من الدراسات التي تؤكد ذلك فقد بدأت فكرة الأمراض النفسجسدية بأن هؤلاء الناس الذين يصابون بالأمراض لا يستطيعون التعبير عن مشاعرهم، فتظهر كأمراض إلا أننا الآن نستطيع القول بأن آلية عمل الحالة النفسية على هذه الأمراض أصبحت معروفة، وهناك دراسات على سبيل المثال على قرحة المعدة و الإ ثنى عشر والتي تتضاعف لدى العاملين في المراقبة الجوية، وفي أمراض القلب والجلطات المختلفة فإنه من الثابت الآن دور الضغوط النفسية والجسدية على القلب، والتفاعل المهم مع الطعام، مما يؤثر على تصنيف وتوزيع الدهون في الجسم.
وذكر جون كيسر في كتابه عن قوة المناعة قائلاً: إنه لتقوية الدفاعات المناعية هناك عدة متطلبات:
1. التغذية: يعتبر الغذاء القليل الدهن العالي البروتين والذي به كربوهيدرات معقدة وقليل من الكربوهيدرات البسيطة هو الغذاء الذي يؤثر ويقوي المناعة.
2. بعض المواد الداخلة في التغذية مثل مضادات الأكسدة فيتامين (A-B-E) إضافة إلى بعض الأحماض الأمينية والعسل.
3. الأعشاب: إن هناك العديد من الأعشاب التي تعلمت الشعوب على مدى القرون الماضية أن لها آثار إيجابية قد ثبت ذلك ومنها البابونج والثوم.
4. الرياضة: إن الرياضة المعتدلة المنتظمة تحسن من أداء الجهاز المناعي وتزيد من فعالية الخلايا المناعية القاتلة التي تقوم بالتصدي لأي ميكروب أو خلل في أجهزة الجسم المختلفة.
5. الطب الطبيعي بما في ذلك الوخز بالإبر و المساج قادرة على وقف آثار الضغوط النفسية.
6. الإسترخاء: أن الإسترخاء بصوره وأشكاله المختلفة بما فيه رخي العضلات، الصلاة، التعبد وقراءة القرآن، والكتاب المقدس كلها تعمل على تنشيط المناعة وبالتالي المساعدة في الشفاء.
7. الدعم العاطفي: إن الأشخاص الذين لهم صلات حميمة وقريبة مع المحيطين بهم هم أقدر على تحمل الأمراض والتصدي لها وتحسين قدرتهم المناعية بعكس أولائك الذين يعانون من الوحدة القاتلة.
8. المعنى والهدف من الحياة: لابد للإنسان أن يكون له تفكيره وقدرته على وضع أهداف محددة في الدراسة والعمل وأن يكون له أفقه الروحي ومبادئه وإيمانه التي دائماً ما ترتبط بالصحة وسرعة الشفاء.
من الثابت أن الأشخاص المتفائلين الذين لهم أهداف في الحياة ولديهم الطموح والعلاقات السليمة والذين يعيشون حياة متوازنة، هم أقل عرضة للأمراض بشكل عام من أولائك السلبيين الذين يعيشون حياة بلا هدف ولا حماس. ومن الدراسات الحديثة على سبيل المثال الدراسة التي أجريت على هشاشة العظام عند النساء والتي تبين فيها أن النساء السلبيات ذوي المعنويات الهابطة أكثر عرضه لهشاشة العظام، من النساء النشيطات الإيجابيات المتفائلات كما أنه من الثابت بأن الناس ذوي السلبية العالية يتأثر جهازهم المناعي، وبالتالي يؤثر على الدماغ نفسه مما يكون له آثار كبيرة على وضع الدماغ في المستقبل.
كتب العديد من الباحثين عن الإيمان بأنه يجعل الشخص يرى الكون ليس بشيء ميت أو آلة تعمل بإنتظام، بل يمكن رؤيته على أنه كون فيه إحتكاك وتجارب وتعامل مع الإنسان وله بعده النفسي والروحي كما أن تنظيم وتعقيد الكون يجب تذكره بأنه أعظم وأضخم بكثير من جسم الإنسان وحتى دماغه، وأننا مهما بلغنا من العلم لا نعرف إلا النذر اليسير عنه.
عادة بحيث أن الطبيب المعالج لا يعرف إذا ما كان المريض يتناول العلاج الحقيقي أم المموه، وقد يستغرب البعض أنه في كثير من هذه الدراسات فإن النسبة التي يتحسن بها أولائك الذين يأخذون الدواء المموه، ليست قليلة وقد تصل 30-40%، بينما يصل الدواء الحقيقي الفعال إلى 70% على سبيل المثال. وبالتالي فإن فعالية العلاج ليس فقط في مادته الكيماوية التي وصلت إلى الجسم بل لقناعة المريض بأنه قد تناول مادة فعالة سوف يتحسن على أثرها، فإذا ما كان شخص يعاني من الأرق وقمت بإعطائه قرص على أنه منوم فالإحتمال يزيد عن 40% أن ينام هذا الشخص، ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال بأنه ساذج أو مغفل بل إن الأثر النفسي لقناعة الشخص بأن هذا قرص منوم قد أخذه من طبيب أو صديق ثقة، فإن هذه القناعة تجعل الفرد قادر على إستغلال هذه القناعة وتحويلها في الدماغ إلى تغيرات كيماوية قادرة على أداء الوظيفة، وذلك بإفراز بعض المواد الكيماوية والناقلات العصبية التي تساعد الإنسان على النوم، ولا تقتصر هذه التجارب على المنوم والمسكن فقد استعملت بنجاح في كل الأمراض وكل الأدوية مثل المضادات الحيوية وأدوية معالجة الروماتزم وغيرها، مما يعني أن قناعة الشخص بعلاج معين لها أثرها العلاجي وأثرها في المقاومة والمناعة وعبر الجهاز العصبي والغدد الصماء وجهاز المناعة.
إذا كان الإنسان يستطيع بقدرة الله عز وجل أن يحول هذه القناعة إلى شبكة من التغيرات الكيماوية الإيجابية، كونه يثق أو يؤمن بشخص ما فما بالك بالإنسان الذي يؤمن بربه ويخلص لدينه ويقتنع تمام القناعة بكل ما جاء بكتاب الله ورسوله، فليس من المستغرب أن يكون بالقرآن الكريم والحديث الشريف أهمية كبرى في معالجة وشفاء البشر. وقد جاء قول ابن القيم رحمه الله في كتابه (زاد المعاد إلى هدى خير العباد) وليس طبه صلى الله عليه وسلم كطب الأطباء، فإن طب النبي صلى الله عليه وسلم متيقن قطعي إلهي، صادر عن الوحي ومشكاة النبوة وكمال العقل، وطب غيره أكثر حدسي وظنون وتجارب، ولا ينكر عدم انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة، فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول واعتقاد الشفاء به، وكمال التلقي له بالإيمان والإذعان، فهذا القرآن الذي هو شفاء لما في الصدور، إن لم يتلق هذا التلقي لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائه، بل لا يزيد المنافقين إلا رجساً إلى رجسهم ومرضاً إلى مرضهم.
وهذا التوضيح من ابن القيم فيه خط واضح يعني أن القرآن وتأثيره على من هو مؤمن ومذعن له وليس على من كفر وتصدى له، ولذلك فإن قراءة القرآن على غير المؤمنين وغير المسلمين لن يكون له فائدته وهذا الأمر تدعمه الدراسات الحديثة بما يسمى العلاج بالإيمان (Faith healing) في معظم شعوب الأرض، وفي مختلف الأديان والحضارات والفلسفات، فإن إرتباط الإنسان بشيء من الإيمان والتعامل معه في مرض له تأثير إيجابي على العلاج، فما بالك بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة؟ التي تعتبر أكثر الأديان شمولاً وتفصيلاً ووضوحاً بحيث أنها لا تتعامل فقط مع عبادات بل أنها تتعدى ذلك إلى فلسفة الحياة وفلسفة الخلق والوجود، وتعطي أدوات علاجيه محددة ولا بد أيضاً التأكيد على أن الموروث عن الرسول والقرآن الكريم، لا يدل إطلاقاً على أن قيمة هذه المعالجة هي في يد شخص معين بل هي في يد المؤمن، فالمؤمن هو الذي يقرأ القرآن الكريم والحديث الشريف ويدعو الأدعية المختلفة ويتجه لربه بقلب ونية صافية وخالصة ليعينه على تحمل معاناته، ولا يكون ذلك بكتابة آية من القرآن الكريم على ورقة ووضع الورقة في الماء وشربها، فليست مادة الحبر التي كتب بها وما على الورقة من شوائب هي المداوية، بل هو المعنى والتأمل والتعمق الذي يحرك القشرة الدماغية ثم باقي مراكز الدماغ وأجهزة الغدد فيدخل تأثيره إلى كل خلية من خلايا الجسم.
قال الله تعالى: " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا".
كما قال تعالى" يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين".
كما قال تعالى "قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء"
وقد قال عليه الصلاة والسلام: "خير الدواء القرآن"
وكان النبي عليه السلام إذا اشتكى يقرأ بالمعوذات وينفث، فلما اشتد وجعه كانت عائشة رضي الله عنها تقرأ عليه وتمسح بيمينه رجاء بركتها.
وكان يقرأ عليه السلام على المريض "بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل داء يأتيك من شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد"
ومن الكتاب الكريم هناك ثلاثة سور يحفظهم الناس وهم من السور الكريمة التي حددت بقدرتها العلاجية ( سورة الفاتحة، سورة الصمد، سورة الفلق، سورة الناس).
كما أن الرسول عليه السلام قد نصحنا بأهمية وضع اليد على مكان الألم من الجسد والقول على النحو التالي ( بسم الله ثلاث مرات، ثم قول أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر سبع مرات، أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيني سبع مرات، امسح البأس رب الناس بيدك الشفاء لا كاشف له إلا أنت وامسح بيدك اليمنى وقل: اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق، و اذرأ وابرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارق بخير يا رحمان أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون، اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، خالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء)
ومن الأمثلة الأخرى على التعامل مع الهم والحزن: ( اللهم إني عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي) إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحاً.
اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن، وغلبة الدين وقهر الرجال.
وفي أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام تناول فيه الطب الوقائي فقد أمر عليه السلام باستعمال الماء في الوضوء أو الغسل عند كل إرادة صلاة، وفي مواطن عديدة، كما أمر بتقليم الأظافر ونتف الإبط والعانة، وغسل اليدين عند القيام من النوم وعند الطعام، وأمر بإستعمال السواك دائماً لتنظيف الفم، وأمر بتعهد الشعر بالقص والتسريح وأمر بنظافة السبيلين بعد كل تبول أو تغوط.
وفي مجال الطب العلاجي لقد قال عليه السلام (تداووا عباد الله فإن الله لم يضع داءاً إلا وضع معه شفاءاً إلا الهرم) وفي قول آخر إلا السأم (وهو الموت)، كما قال عليه السلام ( إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ).
ولا ننسى قول الله تعالى في سورة النحل "يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس"
وروي عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما أنام الليل من الأرق، فقال الرسول (إذا أويت إلى فراشك فقل: اللهم رب السموات السبع وما أظلت، ورب الأرض وما أقلت، ورب الشياطين وما أضلت، كن لي جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك ولا إله إلا أنت) وهذه أمثلة بسيطة على ما يزخر به الطب النبوي وقراءة كتاب الله في معالجة البشر.
يتضح مما سبق أن الجهاز الدفاعي لجسم الإنسان ودماغه وروحه وجهاز مناعته وغدده وتفكيره وإيمانه وفلسفته في الحياة، ترتبط إرتباطاً وثيقاً متشابكاً أثبته العلم الحديث بما لا يقبل مجال للشك ومن المستغرب أن يتساءل البعض عن التداوي بالقرآن الكريم وإمكانية تأثيره بالشفاء، فإذا كان كتاب الله يستطيع التوغل من خلال الإيمان بالنفس والدماغ والجهاز المناعي فهو بتأكيد له أثر علاجي لا يمكن التقليل من أهميته، وفي الدراسات العديدة التي أجريت في العالم والمشاهدات اليومية السريرية. فإن المريض حتى بأشد أنواع الأمراض، والذي وصل للمراحل النهائية من السرطان مثلاً، إذا كان مؤمناً مطمئن البال قادر على التعبد والتوجه لربه فإن معاناته تكون أقل بكثير من المريض الذي يفتقد مثل هذه الأمور ويصارع المرض بغضب وعنف ومشاكل، وحتى لو أن مدة الحياة لكل منهما كانت متساوية فإن هذه الفترة تكون أقل ألماً ومعاناة عند المؤمن الذي يأخذ بكتاب الله وسنة رسوله من غير المؤمن، وعند مشاهدة الورم الخبيث تحت المجهر فإنك ترى الخلايا المختلفة من جهاز المناعة وهي تحاصر الورم وكأنها في معركة يدفع إليها ذاك الحديث وتلك الآية ، مرورأ بجسر الإيمان إلى نفس الإنسان وجسده ، كما أن الدور الوقائي للقرآن الكريم ثابت في أن المؤمن المتوازن الذي يتعبد ويأخذ بفلسفة الدين هو أقل قلقاً واضطراباً وتأثراً بالضغوط النفسية وبالتالي أكثر نيلاً للصحة والهناء في حياته، فإذا كانت اليوغا من تصميم البشر والموسيقى والتأمل والرياضة أو التدليك ونوعية الطعام تعمل على تحسين الصحة لشفاء الأمراض ، فالأولى من ذلك كله الإيمان والصلة بين المؤمن وربه وكتاب الله.
وفي رد على سؤال للشيخ القرضاوي في مجلة الخليج العام الماضي عن بدعة العلاج بالقرآن قال: هذه بدعة ابتدعها أناس في عصرنا، ولم نعرف في العصور الإسلامية الزاهرة أناساً فتحوا عيادات ليعالجوا الناس بالقرآن، بل حدث العكس إذ عرفت عصور الإزدهار الإسلامي، الأطباء الكبار، وعرفت الكتب الطبية التي مثلت مراجع للعالم، عرفت (القانون) لابن سينا و (الحاوي) للرازي، و (الكليات) لا بن رشد ، (التعريف لم عجز عن التأليف) للزهراوي، وعرفت أطباءاً كباراً كان بعضهم علماء دين في الوقت ذاته، فصاحب (الكليات) ابن رشد، كان طبيباً، وهو نفس صاحب كتاب (بداية المجتهد ونهاية المقتصد)، والفخر الرازي هو صاحب (تفسير الرازي) و (المحصول في علم الأصول)، وغيرهما. وقال الذين ترجموا له تاريخه أن شهرته في الطب لم تكن تقل عن شهرته في علوم الدين. وابن النفيس مكتشف الدورة الدموية الصغرى فقيه من فقهاء الشافعية، ترجم له تاج الدين السبكي في كتابه الشهير (طبقات شافعية).وعلينا أن ننظر إلى الطب من هذه الناحية. وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله). وقال عليه الصلاة والسلام: (لكل داء دواء. فإذا أصيب دواء الداء بريء بإذن الله). وهذا يعطي الأمل للمريض أنه ليس هناك داء عضال، ويعطي الأمل للطبيب فيبحث عن الدواء للداء. ونحن كمسلمين، لا نقول أن السرطان مثلاً لا دواء له، فهو له دواء ولكن لم نصل إليه بعد، وكذلك الإيدز له دواء، ولكن لم نصل إليه بعد.
ويضيف الدكتور القرضاوي:
كيف نأتي اليوم ونرى أناسا يفتحون عيادات للعلاج بالقرآن؟ القرآن شرع الأدوية الروحية وهي التعاويذ والرقى. فالإنسان يرقي نفسه أو يرقيه غيره، والرقى أن يرقى الإنسان نفسه فيقرأ الفاتحة وآية الكرسي وسورة الإخلاص مثلاً، أو يرقيه أحد أهل بيته ولا يشترط أن يكون شيخاً أو مطوعاً. ولذلك استعمل النبي صلى الله عليه وسلم الطب وكان يحث بعض الناس على أن يتداووا عند الطبيب الثقة المعروف في ذلك الوقت الحارث بن كلده ، ولم يكن قد أسلم بعد، وهذا يعني جواز العلاج عند طبيب غير مسلم إذا كان طبيباً مأموناً وثقة واشتهر بالطب أكثر من غيره. وقد جاء طبيبان ليفحصا بعض المسلمين فسألهما الرسول صلى الله عليه وسلم (أيكما أطبب؟) أي أيكما أمهر وأحذق؟ فقيل: هذا. فقال صلى اله عليه وسلم: (يعالج هذا). ويعني بذلك المفاضلة بين الأطباء واختيار الأرجح علماً والأكثر حذقاً.
أما أن يدعي أحدهم أنه يعالج بالقرآن الكريم ويمسك واحداً فيضربه حتى يخرج منه الجن والشيطان، فهذا ما أنزل الله به من سلطان، ولم نر أحداً من الصحابة الأجلاء مثل ابن عباس أو ابن مسعود فتح عيادات لذلك. فابن عباس كان اسمه ترجمان القرآن، ولكننا ما عرفنا أن أحداً جاء له وقال: يا ابن عم رسول الله عالجني بالقرآن. ولو حدث ذلك، لقال له: ( أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لأمة ) أو قرأ عليه سورة الفلق أو الناس.
0 Post a Comment:
إرسال تعليق