نمط الحياة وتأثيره على عملية الشيخوخة

د. محمد سعد عبد اللطيف
لا شك بأن نمط الحياة الذي نتبعه في سن الشباب والكهولة تظهر عواقبه علينا في مرحلة الشيخوخة. فالسنوات التي نمضيها في تدخين التبغ، مع قلة ممارسة الرياضة والإكثار من الطعام ينجم عنه ضرر جسدي غالبا ما يعزى خطأ إلى التقدم في السن. واستنادا إلى دراسة أجراها مؤخرا باحثون في جامعة ستانفورد، فإن متوسطي العمر الذين راقبوا أوزانهم ومارسوا الرياضة ولم يدخنوا لم يعيشوا فترة أطول فحسب، بل أصيبوا بسنوات أقل من المرض وكانوا أقل اعتمادا على الآخرين مع تقدمهم في السن.
ولكن، هل من الممكن إلغاء تأثير العادات السيئة التي مارسناها طيلة حياتنا؟ يقول الباحثون أنّ الأوان لا يفوت أبدا على التخلص من آثار أفعالنا. ولنأخذ التدخين مثلا على ذلك. فحين نقلع عن التدخين، يبدأ احتمال إصابتنا باعتلال القلب بالانخفاض على الفور تقريبا. وفي غضون خمس سنوات، لا نعود معرضين لأمراض القلب أكثر بكثير من الأشخاص الذين لم يدخنوا أبدا. إلا أنّ الأمر يستغرق 15 عاما لتقليص احتمالات إصابتنا باعتلال رئوي ومع ذلك فإننا لن نتمكن أبدا من تقليص الخطر ما لم نقلع عن هذه العادة المؤذية.
أما بالنسبة إلى الرياضة، فقد أظهرت الدراسات أنّه حتى الأشخاص الهزيلون من المقيمين بدور المسنين يمكنهم زيادة قوة عضلاتهم ذات الرأسين، لا بل وأكثر من ذلك، إن هم التحقوا ببرامج التقوية البدنية.وستتحسن أيضا صحتهم العامة وقدرتهم على تأدية نشاطاتهم اليومية. ولكن حين يتوقف التدريب تزول منافعه لاحقا. بالتالي يجب أن تشكل تمارين زيادة القوة أو المقاومة البدنية جزءا من برنامج رياضي كامل.
ابدأ الآن
مهما كان سنك اليوم، بإمكانك، لا بل يتوجب عليك، البدء بالاستعداد لسنوات شيخوختك. وإن كنت كهلا، فلا يزال أمامك متسع كاف من الوقت لكي تعد لشيخوختك، أكان ذلك بمباشرة برنامج رياضي أو باعتماد نظام غذائي أفضل أو بصقل مهاراتك الاجتماعية. أما إن كنت متقاعدا فلم يفت الأوان بعد لكي تقرر كيف ستمضي السنوات العشر أو العشرين أو الثلاثين المقبلة وإلى أي مدى تريدها أن تكون ممتعة بالنسبة إليك. فقد ترغب مثلا بالتعلم والسفر أو تثقيف نفسك في مجال الحواسيب وقد تفضل التطوع في المدرسة المحلية. باختصار، يمكنك أن تختار نوع الحياة الذي تريد وأنت سيد قرارك هنا.
ماذا ستتعلم؟
مرّن عقلك
لا تأخذ بالتوقعات التي تقول بأن خلايا الدماغ تبدأ بالموت مع التقدم في السن. فقد أظهرت الأبحاث بأن الأشخاص الناشطين هم أكثر ميلا للحفاظ على نشاطهم العقلي والجسدي والتمتع بالنتيجة بحياة أفضل. بالتالي، كن منفتحا على فرص التعلم الجديدة.
حافظ على نشاطك الجسدي
إن كنت شخصا خمولا في الثمانين من عمره، فإنك قد تستعمل نصف قوتك الجسدية أثناء الاستحمام. غير أنه يمكنك تفادي ذلك بالتمرين المنتظم. والواقع أنّ التمارين الرياضية هي أهم عامل للتقدم بالسن بصورة سليمة. إذ تتيح لك اللياقة البدنية أداء وظائفك اليومية بشكل أفضل والتمتع بحياة أطول وبقوة أكبر لمواجهة المشاكل الصحية أو الإقلاع عن العادات السيئة. وليس عليك الانضمام إلى النادي الصحي المحلي لتحافظ على نشاطك الجسدي، بل اعثر عن فرص يومية تتطلب منك مزيدا من الحركة الجسدية، كالسير والسباحة وركوب الدراجة وهي تمارين سهلة على المفاصل.
كل جيدا
إنّ أمهاتنا كنّ على حق. فالإكثار من الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة لا يفيدنا فحسب، بل يطيل حياتنا أيضا، شأنه في ذلك شأن الحد من الدهون والكولسترول والسكر والصوديوم. ويتضمن النظام الغذائي المرتبط بالشيخوخة الصحية الإكثار من الماء أيضا.
الإقلاع عن العادات السيئة
من غير الممكن طبعا استبعاد جميع عوامل الخطر من حياتنا، إلا أننا نملك القدرة على التحكم ببعض الأمور المضرة بصحتنا. فإن كنت ترغب بعيش حياة طويلة والتمتع بصحة جيدة، تجنب فرط استهلاك النيكوتين بجميع أشكاله، بما فيها السجائر والدخان المستعمل ومضغ التبغ.
راقب مواقفك
لأفكارنا وهواجسنا تأثير بالغ علينا. ولكن من الضروري للمرء أن يركز في حياته على الأمور الهامة ويتجاوز المشاكل البسيطة. والواقع أنّ قدرتك على تخطي المشاكل وتمتعك بحس من المرح هما عاملان يساعدان على العناية بالصحة. ذلك أنّ كثرة القلق تستنفد طاقة الجسد وحيويته. وكما تقول المحدثة والكاتبة لوريتا لاروش في كتابها، “استرخ، فالحياة قصيرة”، الصادر عام 1998، “ما من أحد قال وهو على فراش الموت، ليتني لم أكثر من الضحك في حياتي”.
غذّ روحك
كن مؤمنا. فمهما كان مصدر إلهامك، من الأهمية بمكان أن تحدد روحانيتك وأن تمارسها. واستنادا إلى الأبحاث، فإن الأشخاص الذين يعتمدون على الصلاة يتجاوزن التجارب الصعبة في حياتهم بسهولة أكبر، كما يحصلون أيضا على دعم معارفهم الذين ينتمون إلى الجماعة نفسها.
حافظ على اتصالك بالآخرين
إنّ البقاء على صلة وثيقة بالعائلة والأصدقاء هي من أبرز مؤشرات الحياة المديدة. أما عن مدى أهميتها، فتشير الإحصاءات إلى أنّ معدل الوفيات بين الأشخاص الذين بلغوا الخامسة والسبعين وما فوق ويعيشون بمفردهم يرتفع إلى ضعف ما هو عليه بين من يعيشون مع آخرين. ويمكنك إقامة علاقات اجتماعية أيضا عبر التطوع في مجموعة دعم اجتماعي أو الانضمام إليها. ونمّ علاقاتك كذلك مع الأصدقاء الأصغر سنا الذين يضفون على حياتك شيئا من الحماس، بينما يزودك الأكبر سنا بحكمتهم.
خطط للمستقبل
مهما فعلنا فإننا لن نوقف عملية شيخوختنا. غير أننا نستطيع أن نقرر الكيفية التي ستتم بها من بعض الوجوه. فكّر بالتالي بأوضاعك المالية وبترتيباتك الحياتية المستقبلية وما أمنته لأحبائك. وتأكد من تحديد الأمور الهامة بالنسبة إليك اليوم وما سيزداد أهمية مع مرور السنوات. فالغنى ليس شرطا أساسيا من شروط السعادة ولكن يمكنك أن تضمنها بتخصيص ميزانية للنشاطات التي تحبها ولنمط الحياة الذي تقدره.
ولا شك بأن التأكد من إكتمال تمويل خطة التقاعد أمر ضروري ولكن عليك التفكير أيضا كيف ومع من تودّ تمضية وقتك، ما هو نوع الحياة التي تريدها وأي شخص ترغب بأن تكون. فمن البديهي أننا لا نتقدم بالسن فجأة وأن شيخوختنا ستشكل امتدادا لما نحن عليه الآن ولما سيطرأ علينا خلال حياتنا ولأية تغييرات نحدثها لتحسينها. وتذكر بينما أنت تتصفح هذا الكتاب وتفكر بحاجتك إلى تعديل نمط حياتك، بأن سنوات الشيخوخة من شأنها أنّ تكون من أغنى فترات حياتك، إن أردت لها ذلك. فالقرار – بمعظمه – بيدك.
توصيات ونقاط يجدر أخذها بالاعتبار
● افترض أنك ستعيش لمدة طويلة جدا.
● من شأن فترة الكهولة أن تكون أفضل سنوات حياتك.
● خطط للعقد الأخير من حياتك.
● قد تتقاعد عن العمل أبكر مما كنت تتوقع. خطط لهذا مسبقا.
● قم بجردة لاهتماماتك ومواهبك. وكن عمليا في إيجاد طرق لاستخدامها.
● كن مستعدا لإعادة اكتشاف نفسك.
● ضع قائمة بالمهارات والعلاقات المفيدة لك. وحين تخسر وظيفتك ستربح مهنة تحبها.
● اعثر على مشاغل وهوايات وفرص تطوع تشعرك بالرضى عن نفسك.
● كن خلاقا ومنفتحا في مسألة خوض تجارب جديدة، من شأنها أن تشكل تحولا إيجابيا في مسار حياتك.
● ابق على اتصال بالعائلة والأصدقاء والرابطات.
شارك على جوجل بلس

.

    اكتب تعليق بحساب بلوجر
    اكتب تعليق بحساب فيسبوك

0 Post a Comment:

إرسال تعليق