العنف ضد العاملين بمجال الرعاية الصحية: مشكلة ملحة في جميع أنحاء العالم


مقال كتبه السيد "بيتر ماورير" رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتعاون مع السيدة "كريستالينا جورجييفا" مفوضة الاتحاد الأوروبي للتعاون الدولي والمساعدات الإنسانية والاستجابة للأزمات بمناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني الموافق 19 آب/أغسطس.


بينما يوافق اليوم العالمي للعمل الإنساني 19 آب/أغسطس وهو اليوم المخصص لتخليد ذكرى من فقدوا حياتهم في سبيل الخدمة الإنسانية ومن يواصلون العمل لصالح القضايا الإنسانية، يجدر لفت الانتباه إلى حقيقة مؤداها أن العاملين في مجال الرعاية الصحية يكونون في معظم الأحيان من بين أول من يتعرض للاعتداء في  الحروب وحالات العنف الأخرى. ونتيجة لذلك، تحرم أعداد لا حصر لها من الأشخاص من الرعاية التي يحتاجونها، وتعتبر هذه  القضية واحدة من أهم وأخطر القضايا  ذات الاهتمام الإنساني وأكثرها إلحاحًا في الوقت الراهن.

قد لا يكون الكثير منا في أوروبا على بينة بحوادث العنف ضد الأشخاص الذين يقدمون الرعاية الصحية أو يتلقونها إلا في المناسبات النادرة عندما تتصدر تلك الحوادث العناوين الرئيسية للأخبار الدولية. وأحد الأمثلة حديثة العهد على ذلك هو الاعتداء المميت على مستشفى في مدينة "كويتا" الباكستانية في حزيران/يونيو، حيث كان يتلقى الناجون من هجوم وقع في وقت سابق على حافلة العلاج داخله.

ولا تُرصد الغالبية العظمى من الحوادث التي تحرم المصابين أو الجرحى من حقهم في الحصول الرعاية الصحية بشكل أو بآخر. وبينما  تُستهدف سيارات الإسعاف أو المستشفيات بشكل مباشر في بعض الحالات، فإن العاملين بمجال الرعاية الصحية يتعرضون للمضايقات أو التهديد على نحو أكثر تواتراً بكثير على يد المقاتلين الذين يسعون لمنعهم من تقديم العلاج لأعدائهم  أو يطلبون إمدادات منهم. ولم يعد من غير المألوف أن تُمنع سيارات الإسعاف بشكل متعمد من الوصول إلى المصابين أو تُعطَّل لعدة ساعات عند نقاط التفتيش. والواقع غير المقبول هو أن الوضع المحايد لمرافق الرعاية الصحية ووسائل النفل الطبي والعاملين في مجال الرعاية الصحية يُستهان به بشكل متكرر وليس حجم المشكلة هو المثير للقلق فحسب، ولكن أنماط العنف نفسها هي التي تكشف النقاب عن مناحٍ  مثيرة للقلق.

وتظهر دراسة أعدتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر مؤخرًا أن العاملين المحليين هم الذين يعانون في معظم  أعمال العنف الموجهة ضد مرافق الرعاية الصحية وموظفيها إلى حد بعيد (كان هذا هو الحال في عام 2012 في أكثر من 90 بالمئة من الحوادث المسجلة التي فاقت 900 حالة في 22 بلدًا). ولقي ما يقرب من 25% من الأشخاص الذين حوصروا في هذه الأحداث مصرعهم أو تعرضوا للإصابات. وفي بعض الحالات استهدفت تفجيرات لاحقة الأشخاص الذين كانوا يحاولون مساعدة ضحايا انفجار وقع في البداية - و تلك ممارسة بغيضة تتسبب في زيادة عدد الإصابات والوفيات وتحول دون وصول الرعاية لمن هم في أمس الحاجة إليها على وجه السرعة.

وقد تتسبب حادثة عنف واحدة ضد مرافق الرعاية الصحية أو العاملين بها في تبعات لا حصر لها على مجتمعات محلية بأكملها على المدى البعيد. فعندما انفجرت قنبلة أثناء حفل تخرج طلبة كلية الطب في العاصمة الصومالية "مقديشيو" عام 2009، أو مؤخراً عندما قُتل  أفراد الخدمات الطبية أثناء قيامهم بحملة تطعيم ضد مرض شلل الأطفال في نيجيريا وبلدان أخرى، تجاوز أثر تلك الحوادث الفقدان الفوري  للأرواح. ونتيجة لتلك الاعتداءات وما شابهها من أحداث، لن يتمكن آلاف الأشخاص كل عام من استشارة  الأطباء أو الحصول على تطعيمات لإنقاذ الأرواح في البلدان التي تتعرض فيها الرعاية الصحية لضغوط بالفعل.  

وبعيدًا عن آثار حوادث بعينها، فإن الانعدام العام للأمن الناتج عن النزاع المسلح وحالات العنف الأخرى له تأثير رئيسي واضح على الرعاية الصحية رغم صعوبة قياس ذلك التأثير. فلننظر على سبيل المثال إلى فرار العاملين بمجال الرعاية الصحية على نطاق واسع في مواجهة الهجمات أو التهديدات أو الهواجس الأمنية. وتكمن المشكلة الرئيسية التي تواجه الرعاية الصحية في الوقت الراهن من أفغانستان إلى المناطق النائية المتضررة من النزاع في كولومبيا، ومن جمهورية أفريقيا الوسطى إلى شمال مالي، بدرجة أقل في الهجمات المباشرة ضد من يقدمون الرعاية الصحية من عدم قدرة الجرحى والمرضى على الحصول على الرعاية الصحية، والذي يمكن أن يكون له نفس الأثر المودي بالحياة في نهاية المطاف.

إن كافة أشكال العنف الموجهة ضد مرافق الرعاية الصحية والعاملين بها ليست مستهجنة أخلاقيًا فحسب، بل هي أيضًا غير مشروعة بموجب القانون الدولي. وتقع المسؤولية الأساسية لضمان الانصياع للقانون على عاتق الدول والمقاتلين على حد سواء. وعلاوة على ذلك،  ينبغي للمشرعين على الصعيد الوطني والمحاكم الوطنية النهوض بمسؤوليتهم عن ضمان إقرار التشريعات الداخلية بالمسؤولية الجنائية لأي فرد ينتهك القانون الدولي الإنساني، ووضع هذا التشريع حيز التنفيذ بالفعل. وينبغي إخضاع  كل من ينتهك القانون للمساءلة.

ويقوم كل من  المنظمات الإنسانية والعاملين بمجال الرعاية الصحية بدور مهم في ضمان قبول جميع المجتمعات المحلية والجماعات السياسية والعسكرية للأنشطة التي يضطلعون بها  - حيث يعد ذلك أحد المتطلبات الضرورية  للتمكين من العمل في السياقات الدقيقة  وغير المستقرة - والذي ينبغي أن يستند إلى البرهنة على عدم التحيز بشكل لا لبس فيه. وينبغي تقديم الرعاية الصحية على أساس الاحتياجات الطبية والسريرية وحدها دون غيرها.

ويتطلب زيادة الوعي بالتكلفة الإنسانية للعنف الذي يُمارس ضد العاملين في مجال الرعاية الصحية وتعزيز ثقافة الشعور بالمسؤولية بين جميع الأطراف المعنية تضافر الجهود الدولية باستخدام الوسائل الدبلوماسية والقانونية وغيرها من الوسائل.

ولتحقيق هذه الغاية فقد تقرر إطلاق حملة بقيادة اللجنة الدولية للصليب الأحمر تُحشَد فيها  الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر برمتها و منظمات إنسانية أخرى بدعم من المفوضية الأوروبية في سبع عواصم أوروبية بدءاً من  تشرين الأول/أكتوبر 2013، الغرض منها هو توعية عدد أكبر من الأفراد بالطبيعة الملحة للقضية، وبالضرر الذي تسببه، للحيلولة دون المزيد من المعاناة وإنقاذ عدد أكبر من الأرواح.


شارك على جوجل بلس

.

    اكتب تعليق بحساب بلوجر
    اكتب تعليق بحساب فيسبوك

0 Post a Comment:

إرسال تعليق