التنمية البشرية والعلاج النفسى وخلط الأوراق

هل التنمية البشرية والعلاج النفسى مترادفان؟سؤال وجه إلى فى كثير من الإستشارات النفسية وجلسات العلاج ورسائل الفيسبوك ومن بعض الشباب فى بعض المحاضرات الذين يهللون كثيراً بحضور محاضرات التنمية البشرية وكيف  أن ذلك وضع أقدامهم على الطريق الصحيح فى الحياة وكذلك واجهت هذا السؤال من كثير من العاملين حديثاً فى مجال العلاج النفسى من الأخصائيين النفسيين بل وأن بعضهم سألنى كيف يكون محاضراً فى التنمية البشرية!! وتعجبت كثيراً لأن من يحضر محاضرات التنمية البشرية أصبح يفعل ذلك من أجل الحصول على شهادات تفيد بأنه حضر دورات فى ذلك ثم يحصل على دورة تدريب المدربين وهكذا يؤهل نفسه لأن يكون محاضراً للتنمية البشرية وهكذا اختلطت الأوراق بين التنمية البشرية والعلاج النفسى والسبوبة وهى مايبحث عنه الكثير من الشباب وهذا حقهم لكن لو تحولنا جميعنا لمحاضرين لمن سنحاضر إذن؟ وهل يمكن أن نحاضر فى علم أساسه خبرات الحياة إذا كنا لم نعش الحياة بعد ولم تتكون لدينا أى خبرات إذن إذا كان الأمر رغبة فى الحصول على مهنة جديدة هل ستكون لهذه المهنة قيمة أم أنها ستفقد معناها بتحولها إلى مجموعة محاضرات نظرية لاتسهم بأى حال من الأحوال فى تنمية وتطوير الأفراد وأعتقد أن الإجابة واضحة ولنبدأ فى الرد على السؤال الأساسى لموضوعنا اليوم وهو هل التنمية البشرية والعلاج النفسى مترادفان؟والإجابة بالطبع لا...حقيقة الأمر أن هناك تشابه بين الإثنين فى بعض الأهداف لكن هناك فرق فى تقنيات الوصول للهدف والفئات المستهدفة فى المجالين وكذلك من يقوم بهما أى الفرق بين المعالج النفسى وأخصائى التنمية البشرية وهل يصلح أن يتبادلا الأدوار أحياناً؟فكثير ما نجد الأن أن المتخصصين فى العلوم النفسية يقومون بعمل محاضرات للتنمية البشرية وأخصائيو التنمية البشرية يقومون بالعلاج النفسى بشكل غير مباشر وغير مقصود حيث يهرع الكثير ممن يشعرون بالمعاناة النفسية ويجدون حرجاً فى زيارة الطبيب النفسى لمحاضرات التنمية البشرية وأجد بعضهم يحفظون المحاضرات عن ظهر قلب لكن دونما قدرة على التطبيق وبالتالى لن يحرزوا أى تقدم فى حياتهم ولم يغيروا شيئاً....لذا لنبدأ بالحديث عن الأهداف وووجه الشبه والإختلاف....ولنبدأ بالحديث عن هدف التنمية البشرية....التنمية البشرية إنما تعنى تنمية الإنسان بإعتباره أداة أساسية فى بناء التنمية الإقتصادية للمجتمع ومن ثم فإن للتنيمة البشرية بعدين رئيسيين وهما تنمية الأفراد وذلك بالإهتمام بالإنسان فى كل مراحل الحياة من الطفولة بتدريب وتعليم الوالدين وبعض التدريبات التى تنمى قدرات الأطفال الذهنية والمعرفية ومروراً بمرحلة المراهقة وكيف نساعد المراهق على اجتياز هذه المرحلة دون أن تلقى بظلال سلبية على مراحل حياته التالية من المتاعب والعلل النفسية بأن يتعلم إدارة الذات ووضع الأهداف وإدارة الغضب وخلافه بحيث يصل لمرحلة الشباب وقد تعلم الكثير من ذلك ليبدأ حياته العملية مملوءاً بالطموح والرغبة فى الإنجاز والتنمية البشرية فى ذلك إنما تهدف إلى مراعاة كافة الجوانب والطاقات العقلية والبدنية والنفسية والإجتماعية والمهارات ولاتغفل الروحانيات أما الجانب الأخر أو البعد الثانى للتنمية البشرية فهو الأصل الذى يهدف لإستثمار كافة الموارد بهدف التنمية الإقتصادية للمجتمع ككل ويشمل ذلك الإهتمام بالمؤسسات وتطوير العاملين بها بإعتبار أن إنماء الفرد هو حجر الأساس لإنماء المجتمع وما أكثر المحاضرات والدورات التى تقام اليوم بهدف إنماء الأفراد لكن ما الهدف من العلاج النفسى....العلاج النفسى يهدف إلى ما هو أبعد من ذلك وإن كان هناك تشابه فى المضمون فهو أيضاً يسلم بأن الصحة النفسية للفرد ستعم على المجتمع بوجه عام ولامجال لإنماء المجتمع إذا إعتل أفراده من الناحية النفسية...لكن العلاج النفسى يعمل أساساً على مستوى الأفراد فلم نسمع عن مؤسسة ترغب فى اختبار العاملين بها وتقييمهم من الناحية النفسية من وقت لأخر بواسطة طبيب أو معالج نفسى  للكشف عن سلامتهم النفسية .تأتى بعد ذلك التقنيات التى يعمل من خلالها كل من التنمية البشرية والعلاج النفسى وكذلك الفئات المستهدفة والفارق بين المعالج وأخصائى التنمية البشرية...فى واقع الأمر يوجد تشابه إلى حد ما بين التنمية البشرية والعلاج المعرفى السلوكى فكلاهما يخاطب العقل ويطور الذات من خلال كشف عيوب التفكير والعمل على إصلاحها والمقصود بعيوب التفكيرالأفكار السلبية حول الذات والأخر والعالم ككل مما يترتب عليه من مشاعر سلبية وعدم القدرة على ضبط السلوك فتتعدد السلوكيات السلبية كالغضب وعدم القدرة على ضبط الإنفعالات وعدم القدرة على وضع الحدود فى التعامل مع الأخر وما للفرد وما عليه وهذا النوع من التدخل إنما يصلح لبعض الأشخاص الذين يعانون من أخطاء التفكير بشكل واضح لكن لديهم القدرة على ضبط العاطفة إلى حد ما بحيث يصلح التواصل معهم بشكل منطقى وهؤلاء قد يستفيدون من التنمية البشرية تماماً مثلما يستفيدون من جلسات العلاج المعرفى السلوكى البحت الذى يقوم على مناقشة أخطاء التفكير ويعطى نصائحاً مباشرة دون الحاجة لتدخل أنواع علاجية أخرى تعتمد على فهم دينامية الإضطراب النفسى.لكن فى بعض الأحيان يكون الشخص الذى يعانى من اضطراب يشعر به ولايدركه كأن يكون متعثراً فى علاقاته الإجتماعية أو الجوانب الأكاديمية فيقرر الذهاب لمحاضرات التنمية البشرية ولايجد ضالته حيث أنه يجد نفسه لايستطيع التطبيق لما سمع أو أنه تراجع بعد فترة وجيزة  وربما استطاع تجاوز مشكلة عابرة لكنه لم يتمكن من تعميم ما تعلم ليطبقه فى مشكلات أخرى فهذا النوع يحتاج إلى ما هو أبعد من ذلك إلى تنقيات لن تتوفر فى محاضرات التنمية البشرية لأن التنمية البشرية هنا تماماً مثل العلاج المعرفى السلوكى البحت ستتناول الفرد من جانب واحد فقط وهو الجانب المعرفى مع إغفال باقى الجوانب والنظر للفرد ككيان كامل ولعل أهم الجوانب التى تغفل فى هذه الحالة بالرغم من أهميتها القصوى هو الجانب العاطفى أو الوجدانى الذى يحتاج للنظر فى ماضى الفرد وأوجه الإساءة التى ربما يكون قد تعرض لها فى طفولته والصراعات الكامنة فى عقله الباطن والتى لم يدركها ولم يتمكن من إجتيازها وهؤلاء لن يجدى معهم التواصل بالمنطق ومناقشة الأفكار لكنهم فى حاجة للتوغل فى دينامية الإضطراب  فالهدف هنا هى رؤية الصراع والإستبصار به وتجاوزه من خلال العلاج النفسى الدينامي ثم تأتى مرحلة إصلاح عيوب التفكير والسلوك فى مرحلة لاحقة. إذن نستنتج من ذلك أن الفئات المستهدفة للإستفادة من التنمية البشرية تختلف إلى حد ما عن الفئات المستهدفة للعلاج النفسى فالعلاج النفسى أوسع وأشمل وكذلك المعالج النفسى المتمرس فإنه يمتلك خيوطاً عديدة يحرك بها أنواع العلاج فى جلساته حسب رؤيته لقوة المريض النفسية ومدى تحمله لرؤية الذات من أجل التطوير وهذا ليس دور أخصائى التنمية البشرية وأنا لا أنفى هنا أن التنمية البشرية لعبت دوراً مع بعض الناس فى تطوير ذواتهم لكن ما أكتبه لتوضيح الفرق حتى يحدد كل فرد ما يحتاج إليه بحيث لاتختلط الأوراق.





د.نهلة نور الدين حافظ

أخصائى الطب النفسى

شارك على جوجل بلس

.

    اكتب تعليق بحساب بلوجر
    اكتب تعليق بحساب فيسبوك

0 Post a Comment:

إرسال تعليق