كيف تسيطر على غضبك فى خطوات بسيطة

دكتور ممدوح غنيم

فطر الله الإنسان على العديد من الغرائز والأحاسيس ، فهو يتأثر بما يجري حوله، ويتفاعل بما يشاهد ويسمع من الآخرين ، فيضحك ويبكي، ويفرح ويحزن، ويرضى ويغضب ، إلى آخر تلك الانفعالات..والغضب شعور طبيعي نتعرض له جميعا في حياتنا اليومية ... وهو لا يعتبر مشكلة طالما أنه تحت السيطرة فلا يؤثر على علاقاتك الشخصية أو عملك أو دراستك أو حياتك الأسرية. 
ما هو الغضب؟
الغضب هو إحساس أو حالة شعورية تختلف حدتها من الاستثارة الخفيفة إلى الثورة والهياج الشديد. وكغيره من المشاعر الأخرى عادة ما يظهر الغضب مصحوبا ببعض التغيرات البيولوجية والفسيولوجية، فعندما تشعر بالغضب يرتفع معدل ضربات القلب والضغط وكذلك ترتفع مستويات بعض الهرمونات المحفزة كالأدرينالين والنورادرينالين.
قد يرجع الغضب لأسباب داخلية أو خارجية، فمثلا قد تشعر بالغضب من زميلك في العمل, أو مديرك، وقد تشعر بالغضب بسبب حدث معين كازدحام المرور أو تأجيل أو إلغاء رحلة مهمة) أو بسبب التوتر وإطالة التفكير في المشكلات الشخصية أو الذكريات الحزينة والمؤلمة.
التعبير عن الغضب:
الطريقة الطبيعية للتعبير عن الغضب هي الرد بقوة. فالغضب هو استجابة طبيعية للتهديدات تحفز لديك بعض المشاعر والسلوكيات القوية والعدوانية، بل وتدفعك أيضا إلى تبني وضعية دفاعية عند الشعور بأي هجوم، وبالتالي فإن قدرا معينا من الغضب ضروري من أجل البقاء. لكن لا يمكننا أن نهاجم كل شخص أو شىء يشعرنا بالإزعاج أو الغضب كالقوانين, أو العادات والتقاليد، ولا يمكننا كذلك أن نغير من المواقف والأحداث. 
لذا، لابد أن يكون لديك قدرا من المرونة والتحكم في مشاعرك، وذلك عملا بقول النبي، صلى الله عليه وسلم، " ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". ونقترح عليك من خلال السطور التالية بعض الاستراتيجيات والتقنيات التي تساعدك على السيطرة على غضبك وتوجيهه بالشكل السليم الذي لا يضر بعلاقاتك وحياتك بشكل عام، لكن دعنا نسألك أولا...
هل أنت شديد الغضب؟
الناس مختلفون فيما بينهم، فقد تجد شخصا متهورا يستشيط غضبا لأتفه الأسباب وهناك أيضا من لا يعبر عن غضبه بالطرق المعتادة كالصوت المرتفع بل يشعر بتعكر المزاج والهياج بشكل مزمن. وهناك نوع ثالث من الأشخاص يكتم مشاعره ولا يعبر عن غضبه، بل يميل إلى العزلة الاجتماعية أو الانطواء. إن الأشخاص الذين يكبتون غضبهم بداخلهم قد يتصرفون بغلظة مع الآخرين وتراهم دائما يوجهون اللوم والانتقاد إلى غيرهم من دون سبب مما يفقدهم المقدرة على تكوين علاقات جيدة مع الآخرين. كما أن كبت الغضب يؤثر سلبيا على صحتنا إذ يصيبنا بضغط الدم والاكتئاب. ومن ناحية أخرى لو تركنا أنفسنا نعبر عن غضبنا فقد يجعلنا ذلك نأتي بتصرفات نندم عليها لاحقا، وقد نخسر علاقاتنا في العمل ومع العائلة والأصدقاء.
مهما كانت حدة مشاعر الغضب لديك، لا تنزعج بل حاول أن تكون ايجابي ولا تترك لمشاعرك العنان وتسمح لها بالوصول لنقطة اللاعودة فالغضب لن يغير الموقف أو يحل المشكلة. فقط حاول أن تتعرف على الأشياء التي تثير غضبك والتزم، قدر الإمكان، بالنصائح التالية:
استراتيجيات التعامل مع الغضب:
1. الاسترخاء:
هناك بعض التقنيات الهامة التي تساعدك على الاسترخاء والتخفيف من حدة القلق والتوتر والغضب، وأهمها تمارين التنفس، والتأمل، والتخيل، ويمكنك الرجوع للعديد من الكتب والدورات التي تتناول تقنيات الاسترخاء. 
ومن أهم الخطوات التي يمكنك أن تقوم بها: 
تنفس بعمق من خلال الحجاب الحاجز فالتنفس من الصدر لن يمنحك أي شعور بالراحة أو الاسترخاء. راقب أنفاسك وتخيل أن توترك يخرج معها. 
كرر على نفسك بعض الكلمات التي تبعث على الهدوء والاسترخاء، مثل " "استرخى", "اهدأ", "خذ الأمور ببساطة". ولا تنسى أن تتنفس بعمق أثناء ذلك.
وظف خيالك: حاول أن تسترجع خبرة استرخائية, سواء من ذاكرتك أو من خيالك.
مارس تمارين اليوجا ببطء وهدوء
2. إعادة برمجة العقل والبناء المعرفي:
ويقصد بذلك تغيير الطريقة التي تفكر بها. فالشخص الغاضب يتحدث بصوت عالي, ويتوعد وقد يوجه الشتائم والاهانات للآخرين. راقب نفسك عند الغضب، وحاول أن تستبدل الأفكار السلبية التي تغزو عقلك في تلك اللحظات بأفكار أخرى منطقية. فعلى سبيل المثال بدلا من أن تقول: " هذا رهيب... ضاع كل شئ... خسرت كل أموالي.." يمكنك أن تقول "بالفعل هذا مؤلم ومحبط.. لكن غضبي لن يحل المشكلة... هذه ليست نهاية العالم... علي أن أبدأ من جديد... "
احذر الكلمات المحبطة مثل "دائما" و"أبدا" عندما تتحدث عن نفسك أو عن شخص آخر لأنها تعني ببساطة أنه لا سبيل لحل هذه المشكلة مهما حاول الآخرون مساعدتك. 
تذكر دائما أن الغضب لن يحل أية مشكلة على الإطلاق، كما أنه لن يجعلك تشعر بالراحة، بل على العكس قد يجعل حالتك تزداد سوءا. ولا تنسى أن الحياة مليئة بالصعوبات والأزمات، فكما يقول المثل"يوم لك ويوم عليك".
3. حل المشكلة:
في بعض الأحيان، قد يكون شعورنا بالغضب أو الإحباط نابع من مشكلة حقيقية نواجهها في حياتنا ويصعب علينا حلها. وأفضل تصرف في مثل هذه الحالة هو أن تركز على إيجاد حل ومواجهة المشكلة. ضع خطة وحاول أن تجد أفضل الحلول ولكن في الوقت نفسه لا تعاقب نفسك إذا لم يكن الحل المقترح مناسبا. تمتع بالصبر ولا تتوقف عن المحاولات الجادة.
4. مهارات الاتصال:
الشخص الغاضب يقفز إلى النتائج والاستنتاجات مباشرة دون تفكير أو تروي، على الرغم من أن بعضها قد يكون غير صحيح. لذا، إذا كان ولابد أن تدخل في مناقشة ما، احرص على أن تهدأ وتفكر جيدا قبل إصدار أية أحكام ولا تتفوه بأول شىء يخطر على بالك. وفى نفس الوقت، استمع جيدا إلى ما يقوله الآخرين، وخذ وقتك قبل أن ترد.
من الطبيعي أن تدافع عن نفسك عندما تتعرض للنقد ولكن لا تجعل الأمر أشبه بمعركة تسعى لكسبها بأي طريقة حتى ولو كلفك الأمر علاقة حميمة مع أحد الأصدقاء. بدلا من ذلك حاول أن تستشعر المعاني الكامنة التي تحملها الكلمات حتى لا تولد مشاعر سلبية غير مقصودة لدى الطرف الآخر. 
5. حس الدعابة أو الفكاهة: 
هل يمكنك مواجهة أية مشكلة أو موقف يضايقك بابتسامة واثقة أو حتى ساخرة؟؟؟ الأمر ليس صعب على الإطلاق...فقط حاول أن توظف حس الدعابة أو الفكاهة، وتأكد أنها تقنية رائعة أثبتت فعاليتها في امتصاص الغضب. اضحك على مشكلاتك، لكن لا تجعل الأمر يتوقف عند مجرد الضحك والسخرية، بل حاول أن تواجه تلك المشكلات بطريقة بناءة. كذلك، لا تسمح لنفسك بالانخراط في السخرية الشديدة واللاذعة من الآخرين، حيث تصبح السخرية في مثل هذه الحالة طريقة خاطئة للتعبير عن غضبك.
6. تغيير البيئة المحيطة:
أحيانا تكون البيئة المحيطة بنا هي السبب الرئيسي لمشاعر التوتر والضجر. فنحن نشعر بالضيق والغضب بسبب المشكلات والأعباء التي تُفرض علينا دون إرادتنا، ويسيطر علينا إحساس غريب بأننا وقعنا في مصيدة لا فكاك منها أبدا. 
حاول أن يكون لك وقتك الخاص الذي تجلس فيه بمفردك بعيدا عن أية هموم أو مسئوليات أو أعباء. اقتطع وقتا محددا من جدول أعمالك اليومية للاسترخاء وأخذ قسط من الراحة. فمثلا إذا كنتي أما عاملة، ضعي قاعدة أساسية بألا يتحدث إليك أي شخص أو يطلب منك أي شئ خلال الخمسة عشر دقيقة الأولى من دخولك المنزل إلا في حالات الضرورة القصوى. وبعد مرور تلك المدة القصيرة، سوف تندهشين عندما تجدي نفسك مُقبلة على القيام بالمهام المطلوبة وتلبية مطالب أبنائك دون الصراخ في وجوههم.
نصائح أخرى: 
التوقيت: إذا كنت معتادا علي الشجار مع زوجتك عند مناقشة أمور لاأسرة في نهاية اليوم، حاول أن تغير التوقيت الذي تناقش فيه القضايا الهامة فربما كان السبب في ذلك هو شعورك بالإرهاق، أو التشتت، وربما أصبح الشجار مجرد عادة في ذلك التوقيت.
التجنب: تجنب رؤية المثيرات التي تشعرك بالغضب وتفقدك السيطرة على أعصابك. فمثلا إذا كنتي تغضبي في كل مرة تدخلين فيها إلى غرفة طفلك وترين ما بها من فوضي، فكل ما عليكي فعله هو أن تغلقي الباب، وتحاولي ألا تنظري إلى ما يثير غضبك. فقط كرري على نفسك كلمات مثل "حسنا...سوف يقوم طفلي الحبيب بتنظيف غرفته وإزالة تلك الفوضى، لذا لا داعي للغضب والثورة."
البحث عن حلول بديلة: إذا كانت مشكلة ازدحام المرور التي تصادفها يوميا تسبب لك حالة من الغضب والغيظ، حاول أن تبحث عن بدائل أفضل كأن تسلك طريقا آخر أو لا تقود سيارتك وتعتمد على وسائل مواصلات أخرى كالقطار أو الأتوبيس.
متى ألجأ للطبيب النفسي؟؟؟
إذا شعرت أنك لم تعد قادرا على السيطرة على غضبك، أو أنه أصبح يؤثر على علاقاتك وعلي مجريات حياتك، يمكنك استشارة الطبيب أو الأخصائي النفسي الذي سوف يشير عليك ببعض التقنيات التي تساعدك علي تغيير أسلوب ونمط تفكيرك وتعديل بعض سلوكياتك السلبية. وتشير الأبحاث إلى أن العلاج النفسي يأتي بنتيجة جيدة خلال 9 إلى 10 أسابيع حسب الظروف المحيطة وحسب التقنيات المستخدمة.
كن واقعيا ولا تتوقع أنك سوف تتخلص من الغضب إلى الأبد!!!
تذكر جيدا انه ليس بإمكانك أن تتخلص من الغضب نهائيا، فالغضب شعور طبيعي وصحي جدا إذا لم يخرج عن السيطرة، لذا توقع أن تقابلك بعض الأمور التي تستثير غضبك، الذي قد تجد له مبرر في بعض الأحيان، وهي أمور لا يمكنك تغييرها، أو التحكم في تأثيرها عليك. لذا، كن هادئا وتحكم في الغضب قبل أن يتحكم فيك، واعلم أن ذلك ليس لشئ إلا لصحتك النفسية، فالسيطرة علي غضبك تحميك من الوقوع فريسة للحزن واليأس علي المدى البعيد.
شارك على جوجل بلس

.

    اكتب تعليق بحساب بلوجر
    اكتب تعليق بحساب فيسبوك

0 Post a Comment:

إرسال تعليق