أيها الاكلينيكيون..واجهوا أنفسكم

أ.د. أحمد خيرى حافظ
يتوجه معظم الحاصلين علي ليسانس علم النفس الي العمل بالمجال الاكلينيكي حيث فرص العمل تبدو متاحة وميسورة ، كما ان توجه معظم اقسام علم النفس بالجامعات المصربة تميل الي تخريج الاخصائي النفسي الاكلينيكي من ناحية اخري . بالاضافة الي إزدياد المراكز التي تعمل في هذا المجال واشهرها مراكز الاعاقات وذوي الحاجات الخاصة ، اضف اليها مراكز وعيادات الاطباء النفسيين والتي تعتمد علي الاخصائيين النفسيين في تسيير اعمالها ، كمراكز الادمان ومستشفيات الامراض النفسية والعيادات الخاصة.
وتنتهز معظم هذه المراكز حاجة الخريجين للعمل فتقدم لهم اجورا قليلة واحيانًا تتقاضي منهم بدلا من ان تعطيهم ! و ذلك في مقابل دورات سطحية لا تضيف مهارات أو خبرات حقيقية ، واحيانا لاعطائهم شهادات مزيفة عن دورات لم ياخذوها.
واذا تجاوزنا عن الشكل الي المضمون فسوف نجد اننا أمام حقائق صادمة الخصها فيما يلي:
1- ان معظم ما يتلقاه خريجوا علم النفس لا يتجاوز محاضرات نظرية اما الجزء العملي متمثلا في التدريب علي المقاييس الاكلينيكية فللاسف تفتقر مختبرات علم النفس الي الامكانيات التي تتيح للطالب التدرب عليها وإتقانها ، كما ان الأعداد الكبيرة ، و ضغف الامكانيات عامل آخر في غياب الاستفادة من التدريب .
2-واذا توقفنا امام التدريب في مستشفيات الصحة النفسية أو حتي مؤسسات الاحداث الجانحين فما يجري فيها يثير الضحك ولكنه ضحك كالبكاء. فمعظم المستشفيات تتقبل تدريب طلابنا برفض سلبي وتطالب بمقابل مادي غالبًا لا تلبييه جامعاتنا لضيق ذات اليد ويمضي الطالب عامًا باكمله دون أن يتعرف علي الفئات المرضية بالمستشفي ويخرج كما دخل ولم يحقق الهدف من التدريب.
3- واذا تجاوزنا ذلك كله الي من يعملون بالفعل علي ارض الواقع فلا يختلف معي اثنان علي صعوبة العمل في المجال الاكلينيكي وما يتطلبه من بناء نفسي وعلمي وخبروي ، قد لا يتوفر لدي الكثيرين وخاصة من يعملون في مجال ذوي الاحتياجات الخاصة ومستشفيات الصحة النفسية والادمان.
4- أتذكر واقعة كاشفة لما اطرحه اتصلت بي مديرة لمركز لرعاية اطفال متلازمة داون وطلبت ان ارشح لها اخصائية نفسية ترعاهم ليلا مقابل مرتب مناسب ، وتقيم بالمركز وبالصدفة كانت احدي الخريجات جاءت تسالني عن فرصة عمل خاصة انها من محافظة بعيدة وتتمني لو توفرت لها الاقامة ، وعندما وجهتها للمركز فوجئت بها صبيحة اليوم التالي تاتي لي باكية منهارة انها انتابها خوف ورعب من الاطفال ولم تعرف كيف تتصرف مع سلوكياتهم غير المرغوبة ، وكشفت لي عن غياب العلم والمعرفة والخبرة والتدريب .
5-واذا تعمقنا داخل من امتلكوا الخبرة والتدريب ويعملون{ناسين ان البعض منهم لا يتقنون عملهم ولا يمتلكون مهارات او خبرات كافية}. وهم في عملهم يتعرضون لضغوط هائلة سواء من المرضي النفسيين أو المدمنين أو الاطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وهذه الضغوط تتراكم يوما بعد يوم دون ان يتم التنفيس عنها في اطار مايسمي بجماعات الحساسية تحت اشراف اساتذة ومعالجين متخصصين أو في اطار التفيس مع الزملاء ذوي الاختصاص ، وينتهي الأخصائي الاكلينيكي بالوقوع في الاضطراب النفسي او يهجر المجال فرارا بنفسه.
أيها الزملاء الأعزاء ، أيها الابناء الأحباب ، لقد سمحت لنفسي وأنا واحد منكم ان المس جرحا ربما يؤلم البعض ولكن عذري انني عانيت من بعض ماذكرته وربما كانت ظروفي أفضل في وجود رعاية دائمة من اساتذتنا عندما نلجأ اليهم ودائمًا ما كنا نفعل لكن ظروفكم اختلفت وواقعكم غير ما عشناه. فهل تسمحون لي ان افتح مسارا لنقاش عام ، نتحدث فيه عن متاعبنا في غياب مؤسسات ترعانا وقد كثرت المعاناة وقسى الواقع المهني علينا .
ولكن علينا أن نجد فيما شق علينا شيئا جميلًا ...
أيها الاحبة: طبتم وطابت أيامكم أينما كنتم .

شارك على جوجل بلس

.

    اكتب تعليق بحساب بلوجر
    اكتب تعليق بحساب فيسبوك

0 Post a Comment:

إرسال تعليق