اطفال الشوارع: رؤية نفسية و اجتماعية

أ‌. د/ محمد احمد عبد الحى
استاذ الطب النفسى
كلية الطب- جامعة طنطا

مشكلة أطفال الشوارع هى واحدة من أهم المشكلات الاجتماعية الآخذة في النمو على مستوى العالم . و تُعد قضية أطفال الشوارع انعكاسا للتغيرات الاقتصادية والسياسية التي طرأت على بنية المجتمع، وأثرت فيها اجتماعيا واقصاديا وثقافيا، مما يستدعي تضامن جهد جميع قطاعات المجتمع لحماية فئة من الأطفال كان مصيرها الشارع نتيجة لتلك التغيرات الهيكلية.
تعريف طفل الشارع
طفل الشارع هو كل طفل " أو طفلة"  يبيت في أماكن غير معدة لذلك، سواء كان تمردا على سلطة والديه أو وليه أو وصيه، أو مكره على ذلك من إحداهما أو نتيجة عدم توافقه مع ظروفه الأسرية أو الاقتصادية، أو النفسية أو التعليمية مما دفعته للهروب إلى الشارع.
تعريف منظمة اليونيسيف لطفل الشارع ((2001:  قسم التعريف أطفال الشارع للمجموعات الأربع التالية:-
1.      الأطفال الذين يعيشون في الشارع وهو مصدر البقاء والمأوي لهم.
2.      الأطفال الهاربون من أسرهم ويعيشون في جماعات مؤقتة أو منازل أو مباني مهجورة وينتقلون من    مكان إلي آخر .
3.      الأطفال الذين لا يزالون علي علاقة مع أسرهم ولكن يقضون أغلب اليوم وبعض الليالي في الشارع بسبب الفقر أو تزاحم مكان المعيشة مع الأسرة أو تعرضهم للاستغلال البدني والجنسي داخل الأسرة .
4.      الأطفال في مؤسسات الرعاية الاجتماعية القادمون إليها من حالة التشرد وهم مهددون في نفس الوقت بالعودة إلي حالة التشرد مرة أخري .

نسبة اطفال الشوارع
*      تقدر منظمة الصحة العالمية عدد  اطفال الشوارع في القاهرة والإسكندرية بما يناهز مليون طفل مشرد يجوبون الشوارع نهاراً، وفي الليل ينامون في الخرابات والمباني المهدمة أو علي الأرصفة.
*      بينما يشير تقرير الهيئة العامة لحماية الطفل ( منظمة غير حكومية) أن أعدادهم وصل في عام 1999 إلى 2 مليون طفل وفي تزايد مستمر.
*      وجدت احد الدراسات أن الغالبية العظمى من الأطفال المشردين من الذكور بنسبة (92.5%) من إجمالي حالات التشرد في مصر، وأن الجانب الأكبر من أطفال الشوارع تقع أعمارهم في الفئة من 12 إلى أقل من 15 سنة، وأن الجانب الأكبر من هؤلاء الأطفال يتراوح حجم أعضاء أسرهم من (4-6) أفراد.
*       ترجع زيادة نسبة الذكورالى نظرة المجتمع الى الفتاة والخوف عليها من التعرض لمشاكل الشارع، فيتم المحافظة عليها و غرس القيم والآداب السلوكية فى الفتيات بغرض الحفاظ على أنفسهن من مخاطر الشارع ومشاكله. و بذا تفرض أساليب التنشئة على الإناث أن يكن أكثر ارتباطاَ بالأسرة وأكثر استسلاماَ لظروفها مقارنة بالذكور.
الاماكن التى يعيش فيها اطفال الشوارع
تعد الشوارع والاماكن المهجورة واماكن تجميع القمامات و اسطح العمارات  ومحطات القطارات والكبارى الماوى الرئيسى لهؤلاء الاطفال
مورد الرزق اطفال الشوارع
*      التسول
*      الاعمال الهامشية
*      السرقة
*      المشاركة فى الاعمال الاجرامية
*      تجارة الدم او الاعضاء
*      تجارة الرقيق
الأسباب التي أدت لنزول الطفل للشارع ؟
  1. أسباب خاصة بالأطفال أنفسهم:-
*      الميل إلي الحرية والهروب من الضغوط والأوامر الأسرية . حيث يميل هؤلاء الطفال الى عدم تقبل التوجيه من الكبار.  طفل الشارع غالبا ليس لديه مبدأ الصواب والخطأ و بهروبه من المنزل يحطم نسبياً الضبط الخارجي عليه، والمتمثل في رب الأسرة، والذي كان يوجهه، ولأن أسلوب الضبط الخارجي كان يمارس من الأب أو من عائل الأسرة بعد الوالدين بدرجة كبيرة من التسلط على الطفل فكان من نتيجة هذا ان الأب قد سلب من الطفل عنصر الضبط الداخلي الذي يتولد من خبرة الطفل الذاتية في ممارسة حياته
*      عدم القدرة علي التكيف مع الظروف الأسرية غير الملائمة
*      غياب الاهتمام بالترفيه داخل الأسرة والبحث عنه في الشارع . ، كما ان طفل الشارع يَنظر إلى الحياة غالبا على أنها لعب فقط دون الاهتمام بدوره فى الحياة أو التفكير فى مستقبله
*      الشارع قد يكون عنصر جذب بما فيه من خبرات جديدة وتلبية لاحتياجاته الأساسية .
*      المحاكاة في السلوك لحالات أخري في الأسرة أو الجيران او الاصدقاء .
*      حب التملك فالشارع يتيح له نوع من العمل أيا كان ولكن يدر له دخل وقد يكون هذا العمل تسولاً أو إتيان أعمال منافية للعرف والآداب .
  1. الاضطرابات النفسية: حيث يرتبط وجود الطفل بالشارع يوجود الضطراب النفسى او عدم قدرته على العودة الى المنزل كما فى حالة الاعاقة العقلية. و تشمل هذه الاضطرابات ما يلى:
*      الاعاقة العقلية 
*      اضطراب السلوك
*      اضطراب العناد الشارد
*       اضطراب ضعف الانتباه فرط الحركة
*       اضطرابات المزاج : و خصوصا الهوس
*      الفصام العقلى
  1. أسباب أسرية:-
*      التفكك الأسري إما بالطلاق أو الهجر أو العنف من أحد الوالدين ضد الآخر أو وفاة أحد الوالدين . هؤلاء الاطفال ليسوا لقطاء حيث أشارت إحدى الدراسات أن 90% من أطفال المشكلة لديهم آباء وأمهات إما أب أو أم
*      التمييز بين الأبناء داخل الأسرة الواحدة يولد الغيرة بينهم وقد يدفع الأبناء للهرب للشارع .
*      العنف الأسرى وإساءة معاملة الأطفال سواء من الوالدين أو من الأقارب والمحيطين أو حتى من المدرسة علي الأبناء مما يدفعهم لترك المنزل حيث يجد بالشارع ملاذاً لا بأس به بالنسبة لما يعانيه.
*      يتسبب الفقر في عدم قدرة الأسرة على رعاية أبنائها وتغطية احتياجاتهم الرئيسية من مأكل ومشرب وملبس وعلاج، فلا يجد الطفل غير الشارع، وأحيانا يطرد الأب أبنه للخروج للشارع رغما عنه
*      انخفاض المستوى التعليمى والمهنى للوالدين وكبر حجم الأسرة قد ينعكس هذا سلباَ على أسلوب تنشئتها للأطفال والذى يميل نحو العنف واستخدام صور عديدة من الإيذاء البدنى والنفسى للأطفال.
*      ضعف الرقابة بسبب اللامبالاة من جانب الأسرة أو الثقة الزائدة وانعكاس ذلك في إطار العنف وعدم الاستماع للأطفال وتولد قناعة لدي الطفل بعدم وجود من يفهمه ويقدر مشاعره بينما يجد ذلك بين قرناء السوء خارج الأسرة .
*      عمل الأب أو الأم في عمل هامشى.
  1. أسباب مجتمعية :-
*      الهجرة من الريف للمدينة : واللجوء إلى سكنى المناطق العشوائية الفقيرة قد يساعد هذا على ارتفاع معدلات أطفال الشوارع فى هذه المناطق والهروب من الظروف البيئية والمعيشية القاسية.
*      التسرب من التعليم: هناك علاقة وثيقة بين ثغرات النظام التعليمى والتى تتمثل فى عدم مناسبة المناهج الدراسية، استخدام العنف فى المدارس والفشل الدراسى للطالب وكثرة رسوبه وسوء الحالة الاقتصادية لأسرته مما يعوقها عن الالتزام بالنفقات الدراسية وهروب الطفل إلى الشارع.
*      الضغوط الاقتصادية وما يرتبط بها من عدم توفر الحاجات الأساسية من مأكل وملبس وعلاج . وفشل الأسرة فى توفير الاحتياجات الأساسية لأطفالها.
*      الدفع بالاطفال إلى العمل لزيادة الدخل
*      الاعتماد علي الأطفال في القيام ببعض الأعباء المنزلية وخاصة الإناث وما يتعرضون له من عنف وقسوة أثناء الخدمة بالمنازل .
*      مخالطة الاطفال للمنحرفين.
المشكلات التى يواجهها اطفال الشوارع
*      يتعرض الاطفال لرفض المجتمع بسبب مظهرهم العام اوالخشية من سلوكهم
*      يخشى الكثير من الاطفال القبض عليهم من رجال الشرطة وبالتالي إعادتهم إلى ذويهم أو أجهزة الرعاية. حيث لا يرغب الكثير من الاطفال فى ذلك. هذا بالاضافة الى تعرض اطفال الشوارع للاعتداء سواء بالتوبيخ اوالضرب او الاعتداء الجنسى من الاطفال الاكبر سنا فى الشارع او من اطفال الشوارع و عصابات المخدرات
*      يتعرض الاطفال للضغوطات النفسية التى تفوق قدرتهم وبلا دعم او حماية ولذلك تنتشر بينهم العديد  من الامراض النفسية مثل الاضطرابات السلوكية و الرهاب الاجتماعى و القلق النفسى والاضطرابات المزاجية
*      الادمان: إن خروج طفل في العاشرة من عمره مثلاً إلى الشارع سيؤدي به حتماً إلى الانحراف خصوصاً أمام عدم وجود رادع ، فهو لن ينجو بالتالي من إدمان السجائر والخمور والمخدرات رغم سنه الصغيرة. فالأطفال الذين يعيشون ويعملون في الشوارع هم عرضة للعنف والاستغلال وتعاطي مواد الإدمان ، حيث يلجأ الكثير منهم إلى المخدرات من أجل تحمّل حياتهم وأوضاعهم الصعبة و تحمّل ما يتعرّضون لـه من جوع وألم وعنف في الشوارع
وتشير الدراسات التي أجريت في مصر إلى أن مواد التنشّق تتصدّر قائمة المخدرات المستهلكة فالأطفال يشمّون الغراء من أجل.
*      سوء التغذية و ما يتبعها من امراض
*      الأمراض : يعيش هؤلاء الأطفال في كل المدن فى ظروف متشابهة، فكلهم يبيتون في الشوارع ، حيث يكونون عرضة لكل التقلبات المناخية من برد شديد، أو حر شديد و سط اماكن شديدة التلوث، مما ينتج عنه أمراض لعل اكثرها العدوى بمختلف انواعها و الاصابات و الكسور الناتجة عن المشاجرات او نتيجة تعرضهم لحوادث السيارات لان معظمهم يشتغلون فى بيع المناديل للسائقين فى الشوارع وعلى الكبارى وسط العربات وزحمة الشوارع
*       الاستغلال الجسدي: حيث توجد بعض" المافيات" ،تقوم باستغلال هؤلاء الأطفال إما عن طريق تشغيلهم بأثمان بخسة أو بالاتجار في دماء  و اعضاء أطفال الشوارع
*      الاستغلال الجنسي : وهذا جانب خطير جداً، حيث توجد بعض" المافيات" ،تقوم باستغلال هؤلاء الأطفال جنسياً وتمثل الاعتداءات الجنسية التي قد يتعرض لها هؤلاء الأطفال من أخطر النتائج فقد يحدث اعتداء جنسي ينتج عنه ولادة طفل جديد ينظم إلى قافلة التشرد
*      الاستغلال السياسى و قد وضح ذلك فى بعض الاحداث الى اعقبت ثورة 25 يناير
خطورة الظاهرة
*      أن النتائج المترتبة على هذه الظاهرة هي نتائج خطيرة ولها تأثير كبير على المجتمع ككل وخاصة هذه الشريحة التي يفترض أنها تمثل أجيال المستقبل .
*      الإجرام ً : مع انعدام التربيةالسليمة و الحرمان من المأكل والملبس قد يلجاء طفل الشارع السرقة وقطع الطريق على المارة بوسائل مختلفة.
*      وتشيرإحصائيات الإدارة العامة للدفاع الاجتماعي إلى زيادة حجم الجنح المتصلة بتعرض أطفال الشوارع لانتهاك القانون، حيث كانت اكثر الجنح هي السرقة بنسبة 56%، والتعرض للتشرد بنسبة 16.5%، والتسول بنسبة 13.9%، والعنف بنسبة 5.2%، والجنوح بنسبة 2.9%.
*      تهدد ظاهرة أطفال الشوارع المجتمعات المختلفة ليس فقط فى مجال انتشار الجريمة ولكن ايضا فى مجال انتشار الاوبئة والامراض
*      على الرغم من أن لدينا فى مصر حملات قومية ضد أمراض وأوبئة الطفولة إلا أن أطفال الشوارع البعيدين عن تلك الحملات يكونون بيئة خصبة للفيروسات والبكتريا التى نطعم اطفالنا ضدها ما يقلل من نجاح تلك الحملات .
مواجهة الظاهرة
*      جمع البيانات حول أطفال الشوارع: عدد هؤلاء الاطفال، اسباب الظاهرة، تحديد احتياجاتهم، مصادر الخطورة منهم و عليهم.
*      ضمان الحماية القانونية لأطفال الشوارع من خلال التشريعات المناسبه.
*      ـ تغيير النظرة السلبية تجاه أطفال الشوارع عن طريق عقد العديد من الاجتماعات وورش العمل و إعداد فيلم وثائقي عن المشكلة بما يثير الوعي حولها.
*      ـ بناء قدرات العاملين مع أطفال الشوارع: كوادر فنية ومؤهلة في المجال، دورة تدريبية بهدف إكساب العاملين مع أطفال الشوارع المهارات اللازمة في مجال عملهم حول التعريف بالظاهرة وأسبابها وأساليب التدخل لحل المشكلات وتغيير الاتجاهات والنظرة السلبية لطفل الشارع وغيرها من القضايا ذات الصلة.
*      انشاء المراكز والجمعيات الاهليه التى تحتضن اطفال الشوارع وتعليمهم
*      اتخاذ الاجراءات المناسبة لدمجهم فى العملية التعليمية
*      انشاء مراكز حرفيه وضم اطفال الشوارع لها وتعليمهم الحرف المفيدة لهم الاستفادة منهم فى تنمية المجتمع
الخاتمه
أن عدم تصدي المجتمع لهذه المشكلة سيكلفه الكثير حاليًا ومستقبلاً، بالإضافة إلى تأثير هذه المشكلة على الاستقرار السياسي والأمني الذي تتطلع إليه البلاد، فالأعداد المتزايدة من الصغار الساخطين الذين يفتقدون الرعاية أو التوجيه أو الانتماء تصبح فيما بعد ضحية للعصابات أو للمجرمين

شارك على جوجل بلس

.

    اكتب تعليق بحساب بلوجر
    اكتب تعليق بحساب فيسبوك

0 Post a Comment:

إرسال تعليق