الدواء هل يتحول إلى سم؟

د. هاني حجاج
hany_haggag@hotmail.com

معظم العقاقير التي تباع في الصيدليات تحقق الغاية المطلوبة منها كما ينبغي، فـ (الرانيتيدين) يعالج قرحة المعدة و(كلوركوين) يقضي على الملاريا، وذلك (الجنتاميسين) يعمل كمطهر جيد للجلد، غير أن بعض العقاقير لا تجدي، كما أن هناك أنواع أخرى عديدة لها أعراض جانبية غير مستحبة.
عام 1972 م باشرت إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية دراسة شاملة ومتواصلة أجرتها على ما يزيد من السبعمائة مادة من مركبات العقاقير التي تباع من دون (روشته) أو وصفه طبية على أساس أنها ليست خطيرة المفعول أومن مشتقات المورفين مما يجعلها تحت لائحة الإدمان الحمراء.
وكانت النتيجة السارة أن اللجان المؤلفة من خبراء غير مرتبطين بشركات الأدوية (لضمان نزاهة النتيجة) اعتبرت أن ثلث هذه المركبات سليما ويؤدي عمله بفعالية نموذجية والضلع الرئيسي في هيئة تأثيرها الطبي هو الجودة التي لا نظير لها.
ولكن مهلاً ...
إننا لم نسمع بعد الأخبار السيئة ...!
النتيجة المؤسفة كانت أن ثلثاً آخر اعتبر غير فعال – بمعنى أن وجوده مثل عدمه ولا تأثير له على الإطلاق – وهذا  بالمناسبة خبراً ساراً في حد ذاته – إذ أن البعض على يقين من أن هذا الجزء الغير فعال ليس فقط خامل بلا نشاط وإنما قد يكون أيضاً غير سليم التركيب وإما أنه يجمع الصفتين:
- غير فعال وغير آمن.
أما الثلث الأخير فلم تتوافر له علميه كافية لإثبات فعاليته أو حتى سلامته.وعندما نشرت توصيات هذه اللجان راحت شركات الأدوية من تلقاء نفسها تسحب من السوق العقاقير والمستحضرات التي اعتبرتها اللجان غير سليمة أو غير فعاله، وطلبت الإدارة من مصانع الأدوية أن تثبت بالدليل العلمي القاطع أن صيغ تركيب العقاقير والمستحضرات التي تنتجها هي حقاً على المستوي المطلوب في معالجة الأغراض المرضية التي يتوخ أن ستعمل من أجلها.
والآن أصبحت شركات الأدوية في العالم اجمع – استجابة للطلب الملح من المستهلكين – تقدمن تفاصيل مكتوبة في صورة نشره داخلية مع علب الدواء عن الإخطار والفوائد والأعراض الجانبية والجرعات وطرق الاستعمال الصحيحة لهذه الأدوية.
وفي عام 1984 م كشف الأبحاث التي أجرتها إدارة الأغذية والأدوية أن ثلاثين في المائة من المرض قد غادروا عيادات الأطباء الذين يشرفون عليهم غير مزودين بالمعلومات الكافية عن طبيعة الدواء أو مجموعة الأدوية الموصوفة لهم. وأن أربعة وسبعين بالمائة منهم لم يتلقوا أية تحذيرات في شأن الأعراض الجانبية المحتملة، وأن خمسة بالمائة فقط قد تلقنوا التعليمات المكتوبة في النشرات المصاحبة لهذه الأدوية.
والآن ...
ما الذي من المفروض أن يجذب اهتمامنا اعتمادا على هذه النتائج؟
الواقع أن ثمة أمران أساسيان:
أول ما يجب أن نهتم به بخصوص التعامل مع الدواء أو المستحضرات الطبية بوجه عام هو ملاحظة الأعراض الجانبية بدقه، إذ أن كثيرين جداً من الذين يتعاملون مع العقاقير الطبية يهملون هذه الملاحظة ويجعلون همهم الأول هو رد الفعل الإيجابي الناتج عن استعمال الدواء أو المستحضر الذي يفتحون عبوته الآن حالاً، ويهملون الأعراض الجانبية (طفيفة أو خطيرة) المصاحبة له، وأكثر الناس يلاحظون ردة فعل غير مستحبة (تكون عرضية في الغالب)، وحتى أخف أنواع الأدوية يمكنها أن تسبب أضراراً على أحد مستويين:
- الأول هو استعمال الدواء على نحو غير صحيح أو لفترة طويلة بعد زوال المرض أو بعد إثبات عدم فعاليته، أو إذا أخذ في جرعات مفرطة أو في أوقات غير منتظمة.
والثاني هو أن الأعراض الجانبية حتمية ولابد من حدوثها حتى مع الاستعمال الصحيح للأدوية وفي أوقاتها المناسبة وبجرعاتها المنضبطة، كما تسبب مستحضرات هرمون البروجستيرون مثل المركبات على قواعد الـ (نور إيثيستيرون أسيتات) والـ (ميدرو جيستون) زيادة في الوزن وانتفاخ الثدي ونزف الرحم.
- الأمر الثاني هو عدم التقيد بالتعليمات حرفياً ...، فقد أثبتت عدة دراسات لها وزنها في هذا المجال أن إما بين ثلاثين وخمسين بالمائة من الناس يخالفون التعليمات التي تكون مطبوعة بالنشرة الداخلية المصاحبة للدواء أو التي تعطي لهم مع الوصفة حول الجرعة المحددة ومواعيد تناولها وكيفية الاستعمال (بالرج أو الإذابة أو التنقيط أو ... أو ...).
يقول (د. جيمس لونج) في كتابه (المرشد المثالي للأدوية الموصوفة):
"من السهل أن يقع المرء في خطأ الاعتقاد أن زيادة الجرعة تعجل الشفاء."
أن استخدام الـ (بيوتاميرات) في علاج الكحة أكثر من ثلاث مرات يومياً – وهي الجرعة المحددة – لن يعجل من الشفاء، بل من المتوقع حدوث العكس.
وعلى الجانب الآخر نجد أن الكثيرين يتوقفون عن تناول الدواء سرعان ما يشعرون بتحسن الأعراض، وهذا بالتالي ينطوي على خطر بالغ، بعض العقاقير التي تستخدم في علاج الكبد من أمراض كالتضخم والتليف قد يصاحب استخدامها في البداية تحسنا ملحوظاً في أعراض المرض التي يشعر بها المريض وليس تحسنا في اختفاء الحالة المرضية نفسها، ولما كان المريض لا يشعر إلا بالأعراض الظاهرة وليس بما يحدث بداخل جسمه دون أن يشعر به، فانه يتوقف عن تناول الدواء فوراً أن تنتهي هذه الأعراض (غالباً عندما يكف عن الشعور بالصداع أو الألم) ويكون مبرره وجيها جداً وقتها:
"لماذا استمر في تناول الدواء مادمت لا أشعر بالمرض؟"
لكننا الآن أصبحنا أكثر انتباها لما يدخل أجسامنا من عقاقير، وأن كنا لازلنا نجهل بعض الإرشادات الخاصة بطائفة من أهم هذه العقاقير وأكثرها انتشاراً.
شارك على جوجل بلس

.

    اكتب تعليق بحساب بلوجر
    اكتب تعليق بحساب فيسبوك

0 Post a Comment:

إرسال تعليق